اليوم العالمي للكتابة بخط اليد

بقلم المستشار الدكتور/ خالد السلامي

يوافق اليوم 23 يناير اليوم العالمي للكتابة بخط اليد. ذلك الفن البديع، وسحر الخيال، والذوق الرفيع. إن الكتابة بخط اليد كانت ولا تزال أحد الفنون المميزة على مستوى العالم. يجد الإنسان المتعة في الكتابة باليد، فهي رياضة جسدية لأصابع الأيدي والساعدين والجسد، وفيها تنهمر الأفكار والمشاعر بغزارة عجيبة سلسة، كانهمار المطر العذب من غيمات السماء البيضاء، المماثلة لصفحات الكتابة البيضاء التي تمنحها الكتابة الحياة والهوية والتاريخ والمعنى، وللكتابة دور كبير حسب خبير نفسي في علم الجريمة، في القبض على المجرمين والمزورين الخطرين. وقد أثبتت كثير من الدراسات أن الكتابة باليد مهمة لتنمية المهارات الحركية الدقيقة وتطوير الدماغ البشري من خلالها. إلا أن الكتابة اليدوية تواجه تحديا قد يكون هو الأصعب في تاريخها بسبب التطور التقني الحاصل الآن، فمع تطور التقنيات الجديدة والأدوات المختلفة، يتوقف الشخص حتى عن الكتابة على لوحة المفاتيح والكتابة على الهاتف، حتى أصبحنا للأسف نبتعد عن الكتابة اليدوية.

إن الكتابة بخط اليد أحد المهارات البشرية القدية المهمة نظرا لقدرتها في التعبير عن هوية الأشخاص وتعزيزها ودعم التواصل بينهم، وأهمية الكتابة بخط اليد لا تبدأ مع البلوغ، بل تبدأ منذ الطفولة، فهي تعزّز وتطور اللغة والإدراك لدى الأطفال، أما في مرحلة الشباب فهي تساعدهم في التعريف عن أنفسهم وكشف هويّتهم، وفي مرحلة البلوغ تساعد الكتابة الفرد على التأمّل الذاتي وتدعم تعزيز الذاكرة أيضاً.

للكتابة اليدوية لغتها الخاصّة التي تعكس شخصية الكاتب وسلوكه ومزاجه، وهي تشبه بصمة الإصبع الخاصّة بكلّ فرد. كما أن التوقيع الشخصي هو مسألةً جوهرية في الكتابة اليدوية، وهو يعكس مهارات الاتصال لدى الأفراد. وللكتابة اليدوية قيمة كبرى، وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بكبار الكُتّاب وبالأعمال الأدبية المهمّة، لذلك نجد أن أسعار المخطوطات اليدوية أو الأعمال الأدبية المكتوبة بخط يد المؤلف المشهور لها قيمتها الفريدة والعالية.

اليوم نرى طفرات رقمية قد تكون الأكبر في تاريخنا، فأصبحت الكتابة أسهل مما سبق، وأصبح الجميع يمتلك المهارة للكتابة بأروع الخطوط، إلا أن تلك الكلمات الرقمية التي نكتبها أو نصممها باستخدام الحاسوب تبقى مجرد أشكال بلا روح. كلمات خاوية من المشاعر، هياكل جميلة تفتقر للإلهام والخيال. وأخشى ما اخشاه أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه خط اليد حرفة من الماضي. فحتى الأطفال اليوم أصبحت مهارات الكتابة اليدوية لديهم ضعيفة بسبب الاعتماد شبه الكامل على التعليم الرقمي. فالاعتماد التامّ على الإنترنت يُضعف المهارات الأساسية لدى الأطفال، ويحدّ من قدرتهم على الكتابة. من هنا ينبغي العمل على تحقيق التوازن المطلوب بين التعليم الرقمي والتعليم اليدوي، وخصوصاً أن معظم الواجبات المدرسية وتدوين الملاحظات لا تزال كلّها بخطّ اليد، ما يؤكّد الحاجة إلى التعليم اليدوي، وضرورة تشجيع الأطفال على الكتابة بأيديهم، وعلى الرغم من أنها عملية مُجهدة، فإنها تبقى ضرورية للمحافظة على مهارات الأيدي ووظائفها.

اترك تعليقاً