مرجعية واصلاحات حكومية..ترحيب شعبي وتأييد سياسي خجول

المستقبل/ اسعد ابو جالي

لم يمض على مطالبة المرجعية الدينية العليا بالاصلاحات السياسية سوى 48 ساعة الا و”تجرأ بشجاعة” رئيس الوزراء حيدر العبادي بقرارات فاجأت الشعب العراقي واربكت حسابات بعض السياسيين.
فدعت المرجعية بقوة العبادي الجمعة الماضية باعتباره “المسؤول التنفيذي الاول في البلد ان يكون اكثر جرأة وشجاعة في خطواته الاصلاحية وان تتخذ الحكومة قرارات مهمة واجراءات صارمة في مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية ويضرب بيد من حديد من يعبث باموال الشعب ويعمل على الغاء الامتيازات والمخصصات غير المقبولة التي منحت لمسؤوليين حاليين وسابقين في الدولة وقد تكرر الحديث بشأنه”.
ولم تكتف المرجعية بدعوتها هذه فقد طالبت العبادي ان “يضع القوى السياسية امام مسؤوليتها ويشير الى من يعرقل مسيرة الاصلاح ايا كان وفي اي موقع كان وعليه ان يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها في سبيل اصلاح مؤسسات الدولة”.
كما دعت رئيس الوزراء الى “السعي في تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب وان لم يكن منتميا الى اي من احزاب السلطة وبغض النظر عن انتمائه الطائفي والاثني ولايتردد من ازاحة من لايكون في المكان المناسب وان كان مدعوما من بعض القوى السياسية ولايخشى رفضهم واعتراضهم معتمدا في ذلك على الله تعالى الذي امر باقامة العدل والشعب الكريم الذي يريد منه ذلك ويدعمه بذلك ويسانده في تحقيق ذلك”.
وباول ردة فعل منه لدعوة المرجعية تعهد العبادي بالإعلان عن خطة شاملة للإصلاح والعمل على تنفيذها ودعا القوى السياسية الى التعاون معه في تنفيذ برنامج الاصلاح”.

 

وبعد 48 ساعة أوفى رئيس الوزراء بتعهده وباغت الجميع بقرارات اصلاحية غير مسبوقة تنتزع جميع الامتيازات المالية والوظيفية للمسؤولين مستندا بدعم المرجعية والمتظاهرين المحتجين على سوء الخدمات واستشراء الفساد بكل مفاصل الدولة.
وقرر العبادي باصلاحاته تقليص شامل وفوري في اعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات الثلاث ومؤسسات الدولة والمتقاعدين منهم وأبعاد جميع المناصب العليا وغيرها المهمة عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وترشيق الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة وتخفيض النفقات، و الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً.
وقرر رئيس الوزراء ايضا فتح ملفات الفساد السابقة والحالية والعمل بمبدأ [من أين لك هذا]، ودعوة القضاء الى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين.
ولم يتردد مجلس الوزراء بالاغلبية في المصادقة على هذه الاصلاحات التي تنتظر موافقة مجلس النواب وان كانت لاتحتاج الى موافقة المجلسين لتمريرها حسب خبراء قانون كونها من صلاحيات رئيس الوزراء وفق المادة 78 كونه المسؤول التنفيذي الاول في البلد.
ويبدو ان “رغبة وشهية” العبادي ما زالت مفتوحة لتحقيق المزيد من الاصلاحات حيث قال خلال استقباله الحاكم الاسترالي بيتر كوسكروف الذي زار العراق أمس ” أننا بدانا باصلاحات حقيقية في جميع المجالات وهي الحزمة الاولى من الاصلاحات وهناك حزم لاحقة وبنفس المستوى”.
ولفت العبادي الى ان حكومته “لاتتحمل الاخطاء المتراكمة للنظام السياسي ولكنها تتحمل مسؤولية الاصلاح، رغم خطورة التحديات الارهابية التي كانت ومازالت تهدد البلاد”.
وفي ردود الافعال لهذه الاصلاحات فانها لاقت ترحيباً واسعا من أغلب الاطراف السياسية ودعت الى المزيد منها.
وأعلن مجلس النواب، تأييده لاصلاحات الحكومة واعلن عزمه اتخاذ خطوات مماثلة لاصلاح منظومته التشريعية والادارية وتقليل نفقاته المالية المثيرة للجدل منذ سنوات حيث قال رئيس المجلس سليم الجبوري “انها خطوات جيدة لكنها غير كافية وسيسعى البرلمان الى اجراء اصلاحات من قبله”.
وأشار الجبوري الى ان هذه الاصلاحات “ستشمل تقليص حمايات ونفقات النواب او الغائها كلياً واعادة النظر برؤساء اللجان النيابية، مع فصل عدد من اعضاء مجلس النواب الذين تجاوز سقف غيابهم الحد المقرر، والعمل على شمول احالة اعداد كبيرة من أعضاء المجالس المحلية من غير الحاصلين على الشهادة الإعدادية الى التقاعد والاكتفاء بالمتبقين لحين إجراء الانتخابات للمجالس المحلية”.
وعلى الرغم من ان الاصلاحات لاقت ترحيبا سياسيا واسعا لكن لم تخف قوى سياسية تحفظها وان كان خجولا حيث ابدى ائتلاف الوطنية برئاسة اياد علاوي تخوفه من ان تنشيء هذه الاصلاحات “تفرداً بالقرار من شخص واحد”.
وحذرت الوطنية في بيان له أمس “من نشوء دكتاتورية جديدة وتفرد بحصر الصلاحيات بيد شخص واحد، مما يعيدنا الى حقب سوداء طواها الزمن” مشيرا الى أن “اختيار رئيس مجلس الوزراء تم على أساس حكومة الشراكة الوطنية وبتوافق سياسي، حيث توقعنا أن تتوافق الكتل السياسية باتخاذ قرارات الإصلاح التي أصبحت أكثر من ضرورية وأن لا تنفرد جهة واحدة بذلك”.

اما الكرد فتباينت مواقفهم من قرارات العبادي حيث اعلنت رئاسة اقليم كردستان تأييدها بجميع الخطوات المؤدية إلى الإصلاحات وإزالة كافة العقبات والنواقص في مؤسسات الدولة، لكنها شددت على ضرورة أن تراعي هذه الاصلاحات استحقاقات الإقليم وبقية المكونات”.
اما الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني فقالت ان “القرارات الاصلاحية التي اصدرتها حكومة حيدر العبادي كانت مستعجلة وفيها ردة فعل ولكن سنصوت على كافة الاجراءات الاصلاحية اذا كانت قانونية وضمن اطار الدستور”.
من جانبه استبعد القيادي في اتحاد القوى صالح المطلك ان “تلقى هذه الاصلاحات النجاح مالم تتم محاربة الفساد والطائفية السياسية” مؤكدا “اننا لاتهمنا المناصب او المواقع بقدر ما يهمنا مصير هذا البلد لذا نحن نرحب بأية إصلاحات للواقع العراقي من اجل اعادته الى وضعه الطبيعي”.
اما على الصعيد الشعبي فقد أحتفل المتظاهرون مساء أمس في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد بالاصلاحات التي أصدرها العبادي” محذرين في الوقت نفسه من اتخاذ موقف آخر في حال عدم الامتثال لها، واعتبار كل من يعارضها رمزاً للفساد كون الشعب العراقي بحاجة ماسة الى هذه الاصلاحات”.
وتبقى هذه الاصلاحات مرهونة بالتطبيق والاعلان عن خطوات اخرى لتحقيق تطلعات الشعب العراقي الذي صمد بوجه الارهاب وتمسك بالوحدة الوطنية والعملية الديموقراطية والسياسية عبر مشاركته في اكثر من انتخابات عامة ومحلية .انتهى

اترك تعليقاً