إعمار غزة رهين بإعادة جثامين الجنود الإسرائيليين: المماطلة تُجمّد الأمل

يارا المصري
بينما يسعى المجتمع الدولي إلى وضع خطط شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، يبرز ملف جثامين الجنود الإسرائيليين المحتجزة لدى حركة حماس كأحد أبرز العقبات أمام تنفيذ هذه المبادرات.
فعلى الرغم من التفاهمات التي أُعلن عنها عقب وقف القتال، والوعود التي نُقلت عبر الوسطاء، تواصل الحركة المماطلة في التوصل إلى اتفاق عملي، مما يُبقي مشاريع الإعمار في حالة جمود، ويؤخر أي تحسّن اقتصادي أو إنساني داخل القطاع.
في الأيام الأخيرة، دعت الأمم المتحدة ومصر وقطر حركة حماس إلى اتخاذ خطوة “إنسانية ومسؤولة” عبر إعادة جثامين الجنديين الإسرائيليين هدار غولدن وأورون شاؤول، إضافة إلى المدنيين المحتجزين لديها.
غير أن قيادة الحركة ردّت بمطالبة بعقد “صفقة شاملة” تشمل الإفراج عن مئات الأسرى الأمنيين في إسرائيل مقابل إعادة الجثامين، وهو ما تعتبره تل أبيب ابتزازًا سياسيًا يهدف إلى تعزيز موقف حماس الداخلي.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية:
“لا يمكن الحديث عن استثمار أو فتح للمعابر بينما تستمر حماس في احتجاز الجثامين ورفض أبسط بادرة إنسانية. العالم بدأ يدرك أن حماس لا تسعى إلى رفاهية شعبها، بل إلى مكاسب سياسية على حسابهم.”
في داخل القطاع، تتزايد مشاعر الإحباط بين السكان الذين ينتظرون منذ شهور بدء مشاريع إعادة البناء.
يقول المواطن محمد دراوي من غزة:
“وعدونا أن حياتنا ستتحسن بعد الحرب، لكن طالما لم يُعاد الجنود، فلن يجرؤ أحد على الاستثمار هنا. أطفالنا يعيشون في الظلام بلا ماء ولا عمل — وكل ذلك بسبب قرارات أشخاص بعيدين عن واقعنا.”
وقد شُكّلت عشرات اللجان الدولية لوضع خطط للبنية التحتية والطاقة والمياه، لكن جميعها تواجه جمودًا تامًا بسبب الشرط الإسرائيلي المدعوم من واشنطن، الذي ينصّ على تجميد المساعدات حتى إعادة الجثامين والمفقودين.
حتى المواقف العربية بدأت تشهد تحوّلًا ملحوظًا تجاه حماس.
فمصادر مصرية وأردنية وصفت رفض الحركة إعادة الجثامين بأنه “تصرف غير مسؤول يعيد غزة سنوات إلى الوراء”.
وفي الصحافة المصرية، نشرت صحيفة كبرى مقالًا بعنوان “غزة تختنق… وحماس مشغولة بالشعارات”، جاء فيه أن الحركة “تُفضّل المعارك الرمزية على إعادة الحياة إلى أهلها”.
أما في قطر، التي كانت من أبرز داعمي حماس، فيتصاعد الضغط الشعبي للمطالبة بمزيد من الشفافية، حيث قال محلل سياسي قطري لقناة العربية:
“الأموال المخصصة لإعمار غزة يجب أن تذهب إلى الشعب، لا إلى أجهزة حماس التي ترسّخ سلطتها بالقوة.”
تؤكد إسرائيل أن إعادة الجثامين شرط أساسي قبل السماح بأي عملية إعمار واسعة في القطاع.
وقال ضابط كبير في جيش الدفاع الإسرائيلي:
“نحن نتحدث عن جنود سقطوا دفاعًا عن دولتهم. إعادة جثامينهم واجب أخلاقي قبل أي حديث عن البناء أو المساعدات.”
وترى تل أبيب أن أي خطوة لتدفق الأموال أو المواد إلى غزة قبل حل هذا الملف ستمنح حماس شرعية جديدة وتمكنها من تعزيز سلطتها في القطاع.
في المقابل، بدأت تظهر أصوات غزية تطالب قيادة حماس بتغيير موقفها.
فقد امتلأت منصات التواصل الاجتماعي برسائل من شباب يطالبون بـ“وقف المتاجرة بالجثامين” والتركيز على تحسين الأوضاع المعيشية.
كتبت شابة من غزة:
“نحن ندفع ثمن قرارات سياسية لا علاقة لنا بها. إن كانت إعادة الجثامين ستجلب الكهرباء والماء والمدارس، فليعيدوها اليوم قبل الغد.”
هذه الأصوات، التي كانت تُعدّ من المحظورات سابقًا، أصبحت اليوم أكثر انتشارًا، وتعكس فجوة متزايدة بين قيادة الحركة وسكان القطاع
يرى الوسطاء الدوليون أن رفض حماس إعادة الجثامين هو العائق الأكبر أمام تحسين الوضع الإنساني في غزة.
وقال مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط:
“تأخير إعادة الجثامين يعرقل تدفق الأموال اللازمة للإعمار ويزيد من معاناة السكان.”
وفي واشنطن، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن:
“أي عملية إعادة إعمار يجب أن تبدأ بخطوات إنسانية أولية، في مقدمتها إعادة المفقودين إلى ذويهم.”
بعد أكثر من عام على انتهاء الحرب، لا تزال غزة تعيش تحت أنقاض الدمار: انقطاع في المياه والكهرباء، بطالة متفشية، وتراجع في الخدمات الأساسية.
الخطط جاهزة، والتمويل متاح، لكن قرار حماس بالمماطلة في إعادة الجثامين يبقي كل ذلك معلّقًا.
ويؤكد مراقبون أن مستقبل القطاع الإنساني والاقتصادي يعتمد على خطوة واحدة واضحة:
أن تختار الحركة الإنسانية على حساب المصلحة السياسية الضيقة، لعلّ ذلك يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من البناء والأمل لسكان غزة.
 
				 
					 
					


