إلى من يدّعي شرفَ المِهنية… والحقيقةُ منه بريئة

بقلم / رشيـد الشمري
لقد حملت من وعورةِ الجبالِ قسوتها، ومن السهولِ الجنوبيةِ جفافها، فغابت عنهك روحُ المدنيةِ التي تتشدق بها صباح مساء.
تدعي النُّبلَ والمهنية، وما هما معنك إلا صدى كلماتٍ جوفاء، يُكذّبها فعلك قبل قولك، وتفضحها المواقف حين يشتدّ الميدان.
إنَّ من يتزيّن بثوبِ الشرفِ زيفًا، لا يدرك أن الكرماء لا يرفعون أصواتهم على الحق، ولا يختبئون خلف ألسنةٍ تُجيدُ التزييف وتخشى الحقيقة. فالشرفُ في الموقف، والمهنيةُ في الصدق، لا في الزهو والادعــاء.
وعندما يأتي الخصمُ إلى ميدان العمل، فهناك شرفُ الخصومة؛
أما من يفتقدُ هذا الشرفَ ويدعيه، فلا يُحسنُ إلا التلويحَ بالاتهامات، وكأنّ الزيفَ درعٌ يحميه من السقوط.
الخصومةُ عند الأحرار ميدانُ صدق، وعند أمثالك ساحةُ بهتان،
فالخِصالُ لا تُشترى، والمروءةُ لا تُستعار،
ومن اعتادَ أن يلبسَ ثوبَ الكذب، عجزَ أن يحملَ رايةَ الشرفِ مهما تزيّنَ بالكلام.
وتعتبرُ نفسك البلبلَ الصدّاحَ، والباقينَ مجرّدَ صدى،
وتزعمُ أنك ميزانُ الجودةِ في العمل، وأنتَ عنها أبعدُ من ظلٍّ عن ضوء.
فكفى تزييفًا للحقائق، وتخدع الناس، فالأوطانُ لا تُبنى على الوهم،
ولا المجدُ يُصاغُ بلسانٍ يُجيدُ الادّعاء ويعجزُ عن العطاء.
تدّعي المهنيةَ وأنتَ مختبئٌ خلف الكرسي،
تسرقُ جُهودَ المخلصينَ من الموظفين الشرفاء،
وتنسبُ نجاحهم إلى نفسك، كأنّ الأضواء خُلقت لتُسلّط على الزيف لا على العطاء.
ألا تعلم أن المناصب زائلة فهي كرسي حلاق ، وأن الذاكرة لا تحفظُ إلا الأفعال؟
ولعلّ من أبرز مظاهر زيفك ، هو الفشلُ في الإعلام الحكومي الذي تحوّل من ضميرٍ للناس إلى صدى باهتٍ للسلطة.
إعلامٌ يتحدث كثيرًا ولا يقول شيئًا، يُغسل فيه وجهُ الإخفاقِ بالألوان، ويُسمّى العجزُ إنجازًا.
لقد فقد الناسُ ثقتهم بكلّ شاشةٍ تبيع الأملَ على حساب الحقيقة، وبكلّ منبرٍ يخشى أن يقول كلمةَ حقٍّ في وجهِ باطلٍ متنفّذ.
واعلم — يا من تتوهّم أن المنصبَ شرفٌ — أن المنصبَ ليس شرفًا بحدِّ ذاته،
بل هو مسؤوليةٌ ورسالة، والشرفُ الحقيقي هو خدمةُ الناسِ بصدقٍ وإخلاص.
فالرفعةُ لا تأتي من الكراسي، بل من الأيادي التي تمتدُّ للعطاء،
ومن القلوب التي تنبضُ بالخير، لا بالغرورِ للنفس.
ومن أراد الشرفَ العظيم، فليخدمِ الإنسانَ قبل أن يخدمَ نفسه،
ففي خدمةِ الناسِ عظمةُ المقام، وفي التواضعِ شرفُ الرجال.
وأخيرًا…
احفظوا الشرفاءَ ولو كانوا خصومَكم،
فالشرفُ لا يعرفُ حزبًا ولا انتماءً،
إنما هو ميزانُ الضمير، وعنوانُ الرجولة.
ومن فقدَ الإنصافَ في الخصومة، خسرَ إنسانيته قبلَ مواقفه.