العراق عدالة واعتدال


هادي جلو مرعي


     للمرة الثانية يعقد المؤتمر العام للقراء والخطباء في جامع أم القرى ببغداد، وكنت أحسبه من تنظيم الوقف السني، لكن ليس من مشكلة مادام الخطاب والتوجيه هو السعي لنشر ثقافة الإعتدال، وعلمت إن المؤتمر عقد العام الماضي وهذا العام برعاية الشيخ خميس الخنجر الذي قدم متطلبات نجاح المؤتمر الذي حضره كبار العلماء وخطباء المنابر وقراء القرآن، ولم يتم إستخدام أموال حكومية فيه، بل بتبرع شخصي لايؤثر في موازنة الدولة ، وكان الهدف منه نشر الثقافة القرآنية، والتركيز على مفاهيم العدالة والتسامح والوسطية والتقريب والتقارب بين ابناء الوطن الواحد خاصة وإن التعصب في بلد مثل العراق لانصيب له من الدوام لأنه بلد متنوع الأعراق والديانات والمذاهب والثقافات، وهي ميزة تنعكس على سلوك الناس ورغباتهم. ومع مرور الزمن يؤمن الناس بأهمية التعايش السلمي والشراكة، فالطريق الى الإنعزال والتعصب مليء بالمطبات ولانهاية له، بينما التسامح والإعتدال فهو طريق يفضي الى تحقيق الغايات، ويقرب الناس الى بعضهم، ومن ايام كنت في تكريت في زيارة لأصدقاء، ووجدت إن استاذا جامعيا من جنوب العراق حضر الى جامعة تكريت لمناقشة رسالة جامعية عليا، وسألت عن أستاذ جامعي من تكريت؟ فقالوا: إنه في الكوت مركز محافظة واسط، وقد ذهب قبل يوم من موعد مناقشة علمية، وسعدت بذلك، مثلما أتمنى ان تتاح الفرصة لجميع العراقيين ليتنقلوا من محافظة الى أخرى، ويتواصلوا، ويعملوا في التجارة، ونشر العلوم والثقافة والرياضة والإستثمار والدراسة، وكذلك تعزيز الصداقات.
    في ختام المؤتمر ألقى الشيخ خميس الخنجر كلمة دعا فيها الى نشر العدالة المجتمعية في العراق لأنها السبيل الى الخلاص من الفوضى والشعور بالغبن، مثلما إن العدالة تساعد في نشر مفاهيم الإعتدال والوسطية وثقافة التسامح والسلم الدائم، وضرورة الإبتعاد عن الشحن الطائفي، والتركيز على المواطنة، وعلى قاعدة ( الدين لله والوطن للجميع) حيث يكون ذلك سببا في تيسير أمور الناس، وتخفيف معاناتهم، وتوزيع الثروات بينهم بعدالة، ومنحهم حقوقهم والنظر لهم وفق مبدأ المواطنة الكاملة، وعدم التركيز على الهوية الدينية والعرقية، بل تغليب الهوية الوطنية التي هي السبيل لإراحة الناس، وتمكينهم من ضرورات العيش، وحفظ الكرامة، وتوفير الخدمات دون تمييز، لأن التركيز على الخلافات العقائدية والقومية يضعف المواطنة التي تحتاج الى مساحة من الهدوء والعقلانية والشراكة في بناء الوطن الذي تحمل نتائج الفوضى سابقا، وليس ممكنا أن نرهن مستقبل بلدنا لتداعيات تلك الفوضى والتعصب، ومن المهم ممارسة دور حيوي تشاركي يسهم فيه القادة الدينيون والسياسيون والأكاديميون والمثقفون والكتاب ووسائل الإعلام المختلفة التي أشبعت من حكايات التطرف والخلافات والتأجيج على منافسة غير مجدية أرهقت البلاد، وحيرت العباد، وضيقت مساحة التلاقي بينهم، وها نحن أمام فرصة لصناعة مستقبل مختلف لاينبغي التفريط فيها ابدا لأننا جميعا سندفع الثمن.