مقالات

اليسار غنيمة من غنائم الاخوان


كتبت د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

من نافل القول أن اليسار العربي لم ينجح في أن يتحول إلى رقم أساسي في المعادلة السياسية ومعادلة الحكم على وجه التحديد… وعلى الرغم من أن اليسار، كأحزاب شيوعية أو كتيارات راديكالية، تروتسكية، على ماوية، على ستالينية،،، لم تتحول بالفعل الى أطراف مباشرة في معادلات الحكم، وفي معادلات تأسيس النظم. بقي اليسار في وضع ثانوي… لا يغادر المعارضة إلا ليكون في مواقع ثانوية.


لكن الاساسي والمركزي، في المعادلة الراهنة أن اليسار تحول الى طابور خامس، في عربة الاخوان، ملحق من ملحقات الاسلام السياسي الذي يشكل احدى الالوان المزخرفة للمشهد السياسي، مجرد ديكور ملحق باللوحة السوداء لحكم الاخوان، والتي لم تنجح في إدارة الدولة ولم تنجح في عملية التنمية؛ والتي لم تكن الا مخاتلة للمطلب الديمقراطي… وليس أدل على ذلك من مشروع دستور الاخوان في تونس قبل 2014 ، والنوايا التي كانت مرتبطة بتوظيف التيارات السلفية الرجعية الاكثر تشددا والاكثر غلوّا.


اليسار اليوم، يبدو أنه تنازل نهائيا عن دوره الطلائعي، وأنه الغى كل مواقف مبدئية في علاقة بالايجيولوجيا الدينية. حرب غزة، وهي المحطة الاخيرة، أثبتت، واكدت ان اليسار مستعد لتقديم كل التنازلات، من أجل ان يكون مجرد غنيمة لمدوَّنة السياسة الاخوانية: إدانات مطلقة لكل من عارض الاخوان، تحت مبرر، وتحت مسوغ المقاومه!!! الاعتبارات الايديولوجية المتعلقة بتحديد طبيعة الطرح الاخواني هو طرح معاد لتحرر الطبقات العاملة، الطرح الاخواني المهادن جوهريا للتيارات الاستعمارية والاستعمارية الجديدة، على اختلاف الوانها واشكالها، العباءة الدينية التي كانت دائما اللباس المحبَّذ الذي تُلبس به المؤامرات، المؤامرات الكبرى تحت عنوان وحدة الامة الاسلامية،،، المؤامرات الكبرى تحت عنوان الدعوة الى الرشاد والدعوة الى سبيل الخلاص.


المشكل في اليسار أنه لم يطرح في يوم من الايام على نفسه مهمة الحكم. المشكل في اليسار انه لم يكن في تاريخه الطويل الذي لا يخلو من تضحيات، والذي لا يخلو من آلام، والذي لا يخلو من نضالات، الا ان يكون، اما ملحقا من ملحقات النظم الحاكمة، باسم الواقعية والتثوير من الداخل واختراق البرلمانات واختراق الراي العام، من خلال الاعلام الرسمي وشبه الرسمي،،، واما ان يتحالف مع الاخوان، بحجة وبدعوى ان المعارضة تُجمّع، وأن وحدة المعار تحتاج الى “مجاوزة الصغائر” والاشياء الصغيرة.


والحال أن الخلاف بين الايديولوجيا اليسارية والايديولوجيا الدينية هو خلاف راديكالي، جذري، استراتيجي؛ خلاف بين الوعي وتغيب الوعي، بين مسكّنات تنتمي الى مرجعيات القرون الوسطى، تراهن على تغييب وعي الطبقات الصانعة والمصنّعة والمنتجة للثروة الاجتماعية، وبين الطبقات الناهبة لها… هذا هو العنوان الابرز لليسار.


كل هذا البناء…. يتنازل عنه اليسار العربي، من أجل أن يكون احدى ملحقات الربيع العربي… والكل يعلم أن إحدى اختراعات المخابر السياسية الامريكية، هي فكرة التحالفات العابرة للايديولوجيات. وهي تحالفات تراهن على شيء وحيد، هو ان يكون اليسار مجرد داعم، مجرد مهرّج ضد الانظمة القائمة، من أجل أن يكون الاسلام السياسي في الحكم…


وهذا ما حصل فعلا وهذا ما يحصل حاليا : اليسار يثير الشغب، ويثير الهرج، من من أجل ان يعود الاسلام السياسي الى الحكم: حركات شبابية، شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال النقبات… هذا ما يمارسه اليسار تنفيذا لمخططات امريكية. لأن مفهوم التحالفات العابرة للايديولوجيات، مفهوم مكّن من بناء تحالف 18 اكتوبر في تونس، وحركة كفاية في مصر تحت حسني مبارك.


ولا يزال التحالف متواصلا في شكل جبهة الخلاص في تونس. ولا يزال التحالف متواصلا في تركيا حول شخصيات مثل ايمن نور والاخوان المدعومين من تركيا ومن قطر. هذه حقائق، هذه معطيات، وليست تهويمات نظرية، وليست فرضيات مجردة… يتواصل هذا التحالف الشبيه بزواج المتعة، الذي يمثل شكلا من أشكال الانقلاب على جوهر الفكر اليساري في شكله الماركسي، وفي شكله الماوي، وحتى في شكله الستاليني: أساسيات اليسار…


المؤسف أن خطوط التماس والتباين وقع فسخها،،، من أجل تنفيذ أجندات امبريالية، من أجل تنفيذ مخططات امريكية!!!!!! الشرق الاوسط الكبير لن يكون إلا بتكتلات ضاغطة،،، لا من اجل الحرية، ولا من أجل الديمقراطية، ولا من جل حقوق الانسان، وانما من أجل ضرب وانتهاك السيادة الوطنية. هذه حقيقة، وسأعود على هذا التحالف الانتهازي الخطير في كل المناسبات التي توجب ذلك!!!!!!!
د. ليلى الهمامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى