كنيسة الاقيصر في كربلاء تنتظر من يعبد لها الطريق

كربلاء / أحمد المصالحة

تعتبر كنيسة “الاقيصر” في محافظة كربلاء من اقدم الآثار المسيحية في العراق اذ يرجع تاريخ بناءها إلى القرن الخامس الميلادي، لكنها اليوم تعاني من الإهمال وعدم اكتمال اعمال التنقيب فيها رغم مرور أربعون عاما على اكتشافها من قبل الاثاريين.

“على رغم من ادراج الكنيسة كموقع اثري الا انها تفتقر لابسط أنواع الاهتمام، فلا يوجد بجانبها محطات استراحة للسائحين او مرافق سياحية، او حتى طريق معبد بالاسفلت يصل اليها”، تقول الصحفية أحلام راضي (28 عاماً).

وتقع الكنيسة في صحراء قضاء عين تمر، على بعد 70 كم من جنوب غرب محافظة كربلاء، وعلى مسافة 5 كم عن قصر الأخيضر التاريخي.

الراضي توكد ان الكنيسة بحاجة إلى اهتمام “كبير” لما يتمتع بها من أهمية تاريخية لحقبة حكم دولة المناذرة التي كانت تدين بالديانة المسيحية التي سيطرت على مناطق في غرب العراق (268 – 633) ميلادية.

“تضم الكنيسة شواهد قبور عديدة للرهبان ورجال الدين الذين كانوا يخدمون في هذه الكنيسة، والمسيحيين من عامة الناس، لكنها دمرت بسبب محاولات النهب من قبل اللصوص ضنا منهم بوجود المجوهرات والدفائن بداخلها” تضيف الراضي.

الكنيسة بنيت من الطابوق المحفور، وتقع في منطقة صحراوية، مبناها المستطيل الشكل تقريبا، يظهر جليا للزائرين مدخل رواقها، وتوزيع الغرف على طوله، لينتهي بفسحة كانت تستخدم للصلاة، تضم المحراب الذي ما زال شاخصا للعيان للوقت الحالي.

وتضم أيضا لمجموعة من القبور وهي تبعد عن المبنى بمسافة تزيد عن 20 مترا، قسم منها يعود إلى رهبان الكنيسة ورجال الدين الذي كانوا يقدمون تعاليمهم وخدماتهم.

بنيت في القرن الخامس الميلادي

“الكنيسة يعود بناءها إلى القرن الخامس الميلادي، وسبقت ظهور الإسلام ب 120 سنة” يقول محمد عامر احد كوادر دائرة اثار كربلاء.

ولفت إلى عدم العثور على نقوش تدل على من قام ببناءها، لكن يوجد العديد من الصلبان التي توكد انها بنيت ككنيسة.

“الكنيسة كانت تضم مدرسة ومقابر، وهناك ابنية لحد الان لم تنقب من قبل الاثارين، وما يظهر الان جزء من بناء الكنيسة، يبين محراب الصلاة ومكان تقديم القرابين” يضيف عامر.

الموقع الذي لم يكتمل التنقيب به من قبل دوائر الاثار على الرغم من اكتشافه في عامي (1976ــ 1977) من قبل دائرة اثار محافظة كربلاء.

الكنيسة مستوحاة من حضارتي البابلية والسومرية

“السكان المحليون اطلقوا اسم “الاقيصر” على الكنيسة نسبة إلى مصغر كلمة القصر، وذلك لصغر حجمها بالنسبة للابنية التاريخية المجاورة كقصر شمعون، وحصن الاخيضر” يقول الاثاري حسين علي.

والكنيسة مبنية على النظام “البازليكيا” المعروف في بناء الكنائس القديمة، الذي يتكون من ممر في الوسط يضم كراسي المصلين في حين على جانبيه يكون هناك غرف او ممرات للمشاة، في حين يكون المحراب في نهاية الممر ويتجه المحراب باتجاه بيت المقدس وهو النظام المتبع قديما.

علي يوكد ان هذا النظام ماخوذ من المعابد العراقية القديمة من حضارتي البابلية والسومرية، حيث كان يسمى “معبد ذو محور مستقيم”، يكون الباب في مقدمة المحور، ويضع المحراب في الجانب الاخر منه، وكان يستخدم في العهد السومري الحديث وبابلي القديم وصولا للعهد الاشوري الحديث (911-612) قبل الميلاد.

الاهمال يسيطر على اغلب المواقع الاثرية في العراق

“اغلب المواقع الاثرية في العراق تعاني الاهمال”، تقول ذكرى سرسم مديرة منظمة “برج بابل” غير الحكومية المعنية بالحفاظ على الاثار والتراث. وتضيف ان عملية صيانة الاثار وتعميرها بحاجة إلى “جهود جهات حكومية ذات ارادة حقيقية”.

وحول جهود المجتمع المدني، توكد ان منظمتها نفذت العديد من الحملات الشعبية والاعلامية لتسليط الضوء على اهمية هذه المواقع، وفاتحت العديد من الجهات الحكومية وابلاغها بضرورة صيانتها واعمارها.

لكنها اصدمت في مساعيها بـ”الروتين الذي يسود الدوائر الحكومية بالاضافة إلى القوانين القديمة التي تفرض المركزية الشديدة على مصادر صنع القرار في الدوائر المعنية ناهيك عن الفساد المسترشي فيها”.

كنيسة الاقيصر ومثيلاتها لها اهمية روحية وتاريخية وشاهد على الحضارات التي تعاقبت في العراق، ومن جهة اخرى من الممكن ان تكون موردا ماليا للمجتمعات السكانية التي تحيط بالمواقع الاثرية

واشارت سرسم إلى كنيسة الاقيصر ومثيلاتها لها اهمية “روحية وتاريخية وشاهد على الحضارات التي تعاقبت في العراق، ومن جهة اخرى من الممكن ان تكون موردا ماليا للمجتمعات السكانية التي تحيط بالمواقع الاثرية في حال استغلالها بصورة صحيحة”.

وشددت على ضرورة الترويج لها اعلاميا ودعائيا وتعريف الناس بهذه المواقع، وتضمين المناهج الدراسية بمعلومات حول هذه المواقع وتعريف الناس بها، وتشجيعهم على معرفة الاديان والمعتقدات الاخرى.

أحلام الراضي تامل ان يزداد الاهتمام بالكنيسة بشكل خاص كونها من اقدم الآثار المسيحية في العراق، وان يعبد الطريق لها لكي يسهل للمواطنين زيارة مثل هكذا “تحف شاخصة على ارض وطنهم”.

اترك تعليقاً