خراب.. لو.. انقلاب

خراب.. لو.. انقلاب

ا. د.ضياء واجد المهندس

قد لا يعرف الكثيرون، ان سرجون الاكدي ابن غير شرعي لكاهنة عليا، وبقي والده البيولوجي مجهول النسب ( ويقال انه كبير الكهنة، والذي كانت له علاقة بكاهنة في وقت لا يسمح لهم بالزواج) ، و قد ولدته امه سرا، و وضعته في سلة و غطتها بالقار و رمتها في نهر الفرات.. وجد السلة ساقي الملك، و اخذه و رباه فاصبح سرجون الاكدي فيما بعد ساقي الملك و مقرباً له، في قصة تشبه قصة نبي الله موسى (عليه السلام). بالرغم من علو مقام سرجون من الملك حتى أصبح من المرافقين وحماة الملك،
الا ان الملك حلم حلماً لم يصرح به لحاشيته (فيه انقلاب سرجون عليه)، لكنه بعد ذلك الحلم ، فقد ثقته بسرجون الاكدي، و حاول التخلص منه و قتله، الا ان مساعيه فشلت، اذا استطاع سرجون ان يخلعه، و ان يجلس على عرش مدينة كيش ، وسمى نفسه “الملك صاحب السلطان العالي”..
يُعد سرجون الاكدي اول شخص في التاريخ المسجل الذي انشأ امبراطورية متعددة الاعراق (دولة متعددة المكونات، والقوميات، تتمتع بادارات مشتركة) .. اذ بعد حكم مدينة كيش، احكم سرجون سيطرته على مدينة أور، و نيمار، و سيطر على الأراضي العليا لما بين النهرين، و الشام بما فيها إيبلاد و دارميتي و ماري ، كما غزا سوريا، و بلاد كنعان أربع مرات، و جمع الجزية من عيلام و ماري ، و وصلت فتوحاته للبحر المتوسط والخليج
وقد انتصر في 34 معركة !

تميّزت فترة حكم سرجون بتطور التجارة، و ازدهارها التي امتدت من أرز لبنان إلى مناجم الفضة و النحاس في الأناضول ، كما شهدت تجارته إرسال السفن إلى أماكن بعيدة بما في ذلك الهند .. كما رست السفن في موانئ أكد من مدن ماجان و ملوحا و دلمون.
قام بتوحيد اللغة الأكادية لتكون اللغة الرسمية للخطاب بين جميع ولايات امبراطوريته..
يعتبر سرجون الاكدي اول شخص في التاريخ الذي فصل الدين عن الدولة، اذ الغى المحاكم الدينية التي تديرها المعابد، و استبدلها بمحاكم مدنية، و قلص سلطات الكهنة، و رجال الدين، و حظر اشتراك الكهنة بلحروب و الضرائب
لذلك يُعد سرجون الاكدي ملك العلمانية و الحداثة الاول في تاريخ البشرية..
و مما يحسب لسرجون اشراكه الشباب في إدارة مرافق المملكة و الحرب، واعطاء فرصة للنساء في الحرب و الزراعة..
كانت كيش قبل سرجون على أبواب الخراب ، فشرع سرجون بالانقلاب، ليمد هيمنة الدولة وسلطتها، و ينشئ نموذج للدولة المدنية بعد أن حدد سلطة المعابد، و حجم دور الكهنة، و منح الشباب فرصة التغيير..
بالرغم من أن البعض يحسب سرجون ملك مستبد، إلا أنه مصلح من طراز لم تعهده الأمم، لأنه أعطى للجميع فرصة الإدارة وابقى القرارات الحاسمة، والحرب، و موازنات المملكة بيده..
هل نحن بحاجة إلى مثل سرجون ليحقق الانقلاب على حكومات الخراب ؟!
هل في عراق الحضارة، اليوم، من يحقق صحوة الشباب و يطرد الاغراب و يمنع الاحتراب..
قال لي أحد علماء(تاريخ المجتمعات) الامريكان: ان العراق اذا انهار، يصبح ساحة للجميع، وإذا ينتفض، يحكم الجميع )..
ربنا انصر عبادك المستضعفين..
على حكام الجور الظالمين..

البروفسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

اترك تعليقاً