فانتازيا (طيبوثة)

نبراس المعموري

لوحَ رمل الصحراء ضمن طقوس البادية في اولى صفحات قصص محمد خضير؛ فكان تاج طيبوثة.. تاجا مرصعا بالتقاليد والممنوعات التي خنقت انفاس البراءة وارتدت وشاح الصحراء ، تحولات مجتمعنا لا ندركها الا حين نخلو بانفسنا، وطيبوثة كانت خلوتي مع تلك الصحراء ، اسئلة امتزجت لتعلن سر اختيار القاص (محمد خضير) لمثل هذه الأمكنة التي تلونت بالوان التراب !

اكتسح الغبار اجواء بغداد مغطيا جدرانها واشجارها وبيوتها ، حينها تذكرت خضير وهو يصف اثار اقدام طيبوثة على تلك الرمال وهي تقرر الرحيل بين جبال الكثبان، عرفت حينها ان حفنة الاتربة ترافقنا منذ خلقنا، فكيف الحال ان كان الهواء والقوانين صممت من تراب ؟ اسئلة اطرحها جوابها طيبوثة تلك الطفلة التي تعيش في البادية والتي لم تتجاوز العشر سنوات ملحمة اختزلت هموم المرأة في مجتمع احاطها بسموم الظنون والهموم والقيود وطقوس العادات .
لم تساعدها الابل ولا عيون ذلك القاص الهائم بسحر البادية بغرابتها الحلوة والمرة في العيش بحرية؛ فراحت تلك الطفلة تبحث بين كثبان الصحراء وخلف ناقة صغيرة بيضاء عن الحرية، حالها لا يختلف عن حال كثير من النسوة اللواتي بقين يبحثن عن الحرية، تنقلن كما هي تنقلت تفلت من بين الابل! من بين قيود العادات والتقاليد ! لتبحث عن ارض خضراء بعيدا عن تراب الصحراء ، ظلت تبحث رغم صغر سنها عن ذلك الشئ، لا اخفيكم سرا شعور الغيرة انتابني ؛لانني بعمرها لم ابحث كما هي بحثت وسط الرمال !

متفلته من مكان الى اخر لم تهتم لقول القبيلة فكانت مع الصبية الذكور الحفاة تلعب تتخذ من الكثبان (ميكانو) مستقبلها لعلها بيديها الصغيرتين تستطيع ان تغير معالم المجهول: انسانية طفولية بدائية جميلة ورقيقة، درس لكل الفتيات بين اقطاب الشمال والجنوب والغرب والشرق عنوانه : كيف لتلك الصغيرة ان تصنع تاجا لها وسط شواخص الحجر وطقوس القبائل ومرارة العيش ؟

تنقلت معها ومع خضير بشوق ومرارة حين وصف فانتازيا واقع مرير عزل الانسان قبل ان يولد، غير أن (طيبوثه) تموت، عشب صحراوي سام أكلته في غفلة منها؛ فتموت ، خدعتها الزهور التي كانت تبحث عنها او بالاحرى محاولات التغيير من لون اعتم الى لون وردي.. ماتت طيبوثة بسم العادات والتقاليد ماتت كروح مغادرة، لكنها بذات الوقت اثبتت للصحراء انها قادرة على اقتلاع بهتان الوانها باصرارها على ان تكون هي الحرة في الترحال والبحث عن الحياة حتى لو كلف الامر عدم البقاء على قيد الحياة فالمحاولة اجدى وانفع من البقاء محبوسة الرمال .

طيبوثة عنوان ارادة الطفلة المرأة؛ كانت لتكون مستقبلا واعدا لجيل يعرف ان التغيير ياتي بإرادة ازاحة الكثبان الرملية، اما المعلم محمد خضير يظل يردد تراتيله حيث خيمته ومسجله، لم يقف عند حدود سم تلك النبته القاتلة ، ظل مؤمنا ان طيبوثة رمز لواقع مرير يريد الانسلاخ ونزع رداء المحظورت اسلاك صنعوها خوفا من ظل امرأة قوية وعليه ان يجد طيبوثة جديدة تكمل مسيرة تاج تلك الطفلة التواقه للتغيير.

فضلت الموت بين الطبيعة كسرا لقيود الممنوعات.. وداعا طيبوثة طفولتي .