ماذا نتعلم من الحسين ؟

باسمة عيسى – إعلامية و كاتبة صحفية

لا يخفى على احد اهمية احياء ذكرى عاشوراء و ما تحمله من معان انسانية و عقائدية و دينية ، و اهمية هذه المناسبة ليس فقط لطائفة معينة و انما على مستوى اكبر من الحديث الطائفي .هذا العام كما كل عام ، تتجه الانظار نحو المراقد المقدسة في العراق ، حيث يأتى الزوار مشيا على اقدامهم قاطعين مسافات طويلة جدا حبا بأهل بيت رسول الله (ع) و ليجددوا البيعة للإمام الحسين . توصف زيارة الاربعين من محرم بالمحفل الدولي الذي يفوق تجمع الناس في اهم المهرجانات ، و اللافت هو اهتمام الصحافة العالمية بهاتين المناسبتين و خاصة زيارة الاربعين (اربعين استشهاد الامام الحسين – ع ) ، هذا التجمع البشري الذي وصف بالتجمع السلمي الاضخم في العالم ، يكتب الاعلام الغربي عن زيارة الاربعين و احقيتها في الدخول بموسوعة غينيس للأرقام القياسية من اضخم ابوابه ، و الجميل ان هؤلاء القادمون من كل حدب و صوب من مختلف الطوائف و الاديان ، عرب و اجانب ، يعيشون حالة من العشق للحسين (ع) بعلم او بدون علم ، يأكلون من وجبات الطعام ذاتها ، يمشون طريقا واحدة ، يتسايرون و يساعدون بعضهم بعضا بدون مدبر او حارس او قائد ، متطوعون من النساء و الشباب و حتى الاطفال و كبار السن ليلا نهارا بدون اجر وصل عددهم هذا العام الى 300 الف متطوع ، و ما يقارب 7137 موكب لخدمة الزائرين ، اكبر موائد في التاريخ تقدم للزوار على مدى عشرات الكيلومترات مجانا ، وصل عدد زوار الامام الحسين هذا العام 2015 الى 26 مليون زائر من مختلف دول العالم ، منهم 17.5 مليون من العراق فقط و 8.5 مليون زائر اجنبي ، 22 من المجموع الكلي للزائرين دخلوا كربلاء المقدسة ، كوادر طبية وصلت الى 10 آلاف ، و بدون شك لا بد ان تكون للقوى الامنية دور بارز في حفظ الامن و الامان للزوار عدا عن وسائل النقل المجانية من و الى كربلاء و التغطية الاعلامية المباشرة يوميا لمئات الفضائيات العربية و العالمية . ربما تكون هذه الارقام تقريبية و ربما هذا الاحصاء بحسب وسائل الاعلام العراقية لم يشمل جميع الزوار بنسبة 100% ، و ان كان الاختلاف على بعض الارقام و لكن الاتفاق ان اربعينية الامام الحسين غطت على جميع المناسبات ، فماذا نتعلم من كل ذلك؟
علمنا الحسين ان ” الخُلق الحَسَن عبادةٌ ” ، حينما سئل الامام الحسين عن ثِباتُ الإيمان ؟ قال : الورع، فقيل له : ما زواله ؟ قال الطمع ، هذا هو الحسين الذي نمشي كل عام في مواكبه التي تسمى بالمواكب الحسينية ، نمضي يدا بيد ، كبار و صغارا ، نلبي النداء ، نعشق المشي على تلك الارض المقدسة التي داستها اقدامه يوما ما ، و نتعلم ، أن نخرُج من منازلنا ، فلا نلقى أحداً إلا رأينا له الفضلَ علينا ، علمنا الحسين ان يحب بعضنا بعضا و ان و ان نعفو عند المقدرة كما عفا جده الرسول – صلى الله عليه و آله و سلم – من قبله ، علمنا ان الصفوف المرصوصة المتسلحة بالعقيدة و الايمان لا تهزم ، و ان القوي هو صاحب المبدأ و الموقف ، علمنا ان نبتسم في وجه اخينا و ان نصدق القول و الفعل و قال ان رأس العقل بعد الإيمان بالله التّحبُب إلى الناس ، علمنا ان نصبر و ان نوقر الكبير و قال يا بني اصبر على الحق و ان كام مراً . علمنا الكثير الكثير ، فماذا بقي من تعاليمه . و نختم بأحد خطب الحسين منقولة كما جاءت ، علّنا نتعظ و التي قال فيها : ” يا أيها الناس نافِسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تَحتَسِبوا بمعروفٍ لم تُعجّلوا، واكسبوا الحَمْدَ بالنُّجح، ولا تَكتسِبوا بالمَطَلِ ذمّاً، فَمَهْما يكُن لأحدٍ عندَ أحدٍ صنيعةٌ لَه رأى أنّه لا يَقوم بِشُكرِها فاللهُ له بمُكافاته ، فإنّه أجزلُ عطاءً وأعظمُ أجراً. وَاعْلَموا أنّ حوائج الناس إليكم من نِعمِ الله عليكم فلا تَمُلُّوا النِعَم فَتُحَوِّر نِقماً. واعلموا أنّ المعروف مُكسِبٌ حَمداً، ومُعقِبٌ أجراً، فلو رأيتم المعروفَ رجلاً رأيتموه حسناً يسُرُّ الناظرين ، ولو رأيتمُ اللّومَ رأيتموهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تنفرُ منه القلوب ، وتَغضُّ دونَه الأبصار. أيها الناس من جادَ سادَ ، ومن بَخِل رَذِلَ ، وإنّ أجودَ الناس من أعطى من لا يرجو ، وإنّ أعفى الناس من عَفى عن قدرةٍ ، وإنّ أوصلَ الناس من وَصلَ من قَطَعَه ، والأصولُ على مغارِسِها بفروعها تَسموا ، فمن تعجَّلَ لأخيه خيراً وجَدَه إذا قَدِم عليه غداً ، ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقتِ حاجته ، وصرف عنه من بلاءِ الدّنيا ما هو أكثر منه، ومن نَفَّسَ كُربَةَ مُؤمِنٍ فَرّج الله عنه كَرْبَ الدنيا والآخرة ، ومن أحسنَ أحسن اللهُ إليه ، والله يُحبُّ المحسنين” ، و لا تنسوا ان من احبكم نهاكم و من ابغضكم اغراكم ، فكونوا حسينيون في اخلاقكم تنالون مكارم الاخلاق .