مقالات

“يوتيوب” نافذة مفتوحة أمام عيون أطفالنا تسبب الرعب في قلوبهم وتدمر عقولهم

بقلم : د. طراد علي بن سرحان الرويس

أن منصة “يوتيوب” اصبحت نافذة مفتوحة أمام عيون الأطفال تسبب الرعب في قلوبهم وتدمر عقولهم، وذلك من خلال مشاهد مرعبة تتسلل إلى عقول الأطفال عبر “يوتيوب”، واضطرابات نفسية تهدد براءتهم.

حيث أصبح “يوتيوب” متاحًا بين أيديهم عبر الهواتف والتلفاز والألواح الذكية، لكنها لم تعد مجرد منصة ترفيهية، بل ساحة تتسلل إليها مشاهد مرعبة، مثل وجوه تخرج من المراحيض عبر مشاهد من ألعاب إلكترونية، ووحوش تختبئ أسفل الأسرة، وأخرى تظهر الآباء والأمهات في صور مفزعة، حيث تتحول الأم الحنونة فجأة إلى وحش يلتهم أبناءها، أو يظهر الأب بأنه يتودد لأبنائهم ثم يبدأ بقتلهم من خلال مشاهد صنعت عبر الذكاء الاصطناعي.

وكما يعلم الجميع، بان التكنولوجيا أصبحت عُنصرًا مهمّاً في حياة الإنسان لا يُمكن أن يستغني عنه، ومع تطورها السريع الذي أدى إلى تأثيرات كبيرة على المجتمعات، وخاصةً مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي والتي تسمح بإنشاء وتبادل المحتوى بين جميع الناس، إذ تلعب هذه الشبكات دوراً كبيراً في تغيير ثقافة المجتمعات وخاصةً الناشئة منها، وإن أكثر المقاطع المرفوعة على “اليوتيوب” الخاصة بالأطفال، يحتوي على ثقافة الغرب وعاداتهم وتقاليدهم، فبعض الدول كروسيا والصين قامتا بحظر “اليوتيوب” لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية للحفاظ على ثقافتهم الخاصة وتحذر من الغزو الثقافي، وتنبه من المخاطر الشديدة المترتبة على الانفتاح، وتدعو في المقابل إلى إحياء الهوية الثقافية الخاصة ببلدانهم، كما إنّ الفيديوهات الموجودة على “اليوتيوب” لها تأثير على سلوك الأطفال وتكوين عاداتهم وقيمهم وتدخلهم في عزلة عن عائلاتهم ورفاقهم، وتجعلهم عرضةً للابتزاز والاحتيال من قبل بعض القراصنة، وقد يصل بهم لمرحلة الإدمان الفعلي، وتُقلّص من قدراتهم الإنتاجيّة أيضاً، بالإضافة إلى المشاكل الصحية؛ فقد تُسبّب الإنترنت تعبًا للعينين، أو قد يُسبّب الاستماع المُستمر عبر سمّاعتي الأذن مشاكل لهما، كما تُسبب إطالة الوقت أمام التلفاز أو الإنترنت السُمنة بسبب قلّة الحركة أو ممارسة الرياضة.

وما أردت الإشارة إليه، هو أن هذه المقاطع تنتشر عبر خوارزميات موجهة تستهدف الأطفال، مما يجعلها تجذب انتباههم بمشاهد ضارة تترك آثارًا نفسية عميقة، وتؤثر على مشاعرهم وسلوكياتهم اليومية، حيث تتراكم في أذهانهم بحكم طبيعتهم البصرية، مسببة اضطرابات مثل التبول اللاإرادي، التشتت الذهني، والقلق المستمر، حتى أثناء النوم، فمن مخاطر إدمان الأطفال على “اليوتيوب” أنها تؤدي إلى تدني مستواهم الدراسي وهدر نشاطهم وحيوتهم، وأيضا تمنعهم عن إقامة العادات الصحية السليمة حيث باتت التكنولوجيا عنصرا هاما في حياتنا، فلا يمكن ان نستغني عنها، وبالأخص مع تطورها السريع والمستمر التي ادي الى ظهور الكثير من سلبيات وإيجابيات الهواتف الذكية على الأطفال، وبذلك لعبت تلك الشبكات دورا كبيرا في تغير مستوي تفكيرهم.

حيث يؤدي التعرض المفرط لمقاطع الفيديو على “يوتيوب” إلى تقليل فرصة الأطفال للعب مع الأطفال الآخرين، وبالتالي لن يكتسبوا رفقاء في اللعب، ولن يتم تطوير المهارات الاجتماعية للطفل، فإذا ما كانوا يستمتعون بمشاهدة مقاطع الفيديو كثيرًا، فإنهم سيفضلونها على التفاعل مع الآخرين.

وقد يحتوي “اليوتيوب” على محتوى غير مناسب للأطفال، وحتى مع وجود سياسات لإزالة مقاطع الفيديو التي يمكن أن تسبب ضررًا وفقًا لمعايير “يوتيوب” الخاصة، فقد تختلف معايير يوتيوب عن معايير الشخص، وما يمكن أن يعتبره “يوتيوب” محتوى لائقًا يمكن أن يعتبره بعض الآباء غير لائق، كما أن بعض إعلانات “اليوتيوب” غير مناسبة للأطفال أحيانًا يمكن أن تمتلك بعض الفيديوهات على يوتيوب معلومات مضللة، وعلى الرغم من أنّ المعلومات المضللة تنتهك سياسات “يوتيوب” إلا أنّه قد يتم تقديم هذه المعلومات المضللة بطريقة غير مباشرة، ويمكن أن يكون البالغون قادرين على تمييز هذه المعلومات إلا أنّ الأطفال لا يمتلكون القدرة الكافية على تمييزها.

وللاسف ان هناك الكثير من الاباء والامهات يتركون أجهزتهم الذكية في ايدي اطفالهم لمشاهدة مقاطع الفيديو على “اليوتيوب” لمجرد الهائهم، بعدم الأخذ بالاعتبار المخاطر المترتبة من هذه التكنولوجيا الذي تجمعه عنا وعن اولادنا من معلومات تستغلهم في الإعلانات، لذا من الواجب معرفة كيفية التعامل مع الأجهزة الذكية بطرق الصحيحة لأجل حمايتهم.

ومع هذا الكم الهائل من الفيديوهات التي تحتوي على ما يبحث عنه أطفالنا يقابلهم قلق كبير من قبل الأهالي بسبب سهولة وصول اطفالهم لمحتويات عنيفة او غير لائقة كالمحتويات التي تحرض على العنف أو المحتويات الجنسية.

لذلك فان تعزيز الوعي المجتمعي في طبيعة المشاهد التي تظهر للاطفال له دور كبير في حماية الأطفال، حيث يجب على أولياء الأمور أن يكونوا على دراية كاملة بالمخاطر التي قد يتعرض لها أطفالهم أثناء استخدام الإنترنت، رغم ما يقدمه الإنترنت من فوائد، إلا أن المخاطر المرتبطة به لا يمكن تجاهلها، ما يستدعي ضرورة مراقبة سلوك الأطفال على الإنترنت وتفعيل إعدادات الأمان المناسبة، وأن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الأطفال بسبب هذه المشاهد تؤثر أيضًا على سلوكهم الاجتماعي، حيث يتراجع تفاعلهم مع زملائهم في المدرسة، ويتجنبون المشاركة في الأنشطة الجماعية، وذلك يسبب أثر نفسي قد يصل إلى درجات أكبر من القلق والخوف، مما يجعل بعض الأطفال غير قادرين على أداء الأنشطة اليومية البسيطة، مثل الذهاب إلى دورة المياه بمفردهم في المنزل أو أثناء وجودهم في المدرسة، وهو ما يعكس حجم التأثير السلبي على حياتهم اليومية، ونؤكد بأن الرقابة الأبوية تشكل عاملاً مهماً في الحفاظ على الصحة النفسية للأطفال.

وفي تلك الاحوال يعد “يوتيوب” شارع مظلم، فهل نسمح لأطفالنا الصغار بالسير في شارع مظلم ليلاً بالمدينة وبمفردهم؟، مع وجود قنوات رائعة ومقاطع فيديو مفيدة، ولكن إلى جانب ذلك، هناك بعض مقاطع الفيديو المخيفة والمضرّة بالأطفال، فإن لم تقدر على السير معه ليلاً، فلا تتركه يشاهد مقاطع الفيديو بدون الجلوس قربه.

إن ملء فراغ الطفل بالفيديوهات غير الموجّهة والاستعاضة عنها باللعب في الهواء الطلق، تزيد من ثقته في نفسه، وتتحسّن صحته الجسدية والعقلية، ويختلط مع الأطفال الآخرين، وتتطوّر مهاراته الاجتماعية، ويتعلم كيف يفشل، ويستمر ويتعاون ويخطط ويحل المشكلة، بعكس الطفل الذي يجلس أمام الشاشة الإلكترونية، حيث يكون متعرّضاً لمشاهد تؤثر على ثقافته وسلوكه سلباً، وتدخله في عزلة، وقد يصل إلى مرحلة الإدمان، وبدلاً من الانغماس في عالم الشاشات، ننصح بتوجيه الأطفال إلى الأنشطة البدنية والفكرية التي تسهم في تنمية مهاراتهم الاجتماعية والذهنية، حيث نؤكد أن قضاء الوقت في أنشطة رياضية أو يدوية مع العائلة بديلاً مثاليًا للجلوس أمام شاشات التلفاز أو الهواتف الذكية، وذلك سيعزز تواصلهم الاجتماعي ويساهم في تطوير شخصياتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى