مقادير الحياة بعد الأربعين

بقلم : سحر الزارعي
في الأربعين، تتبدّل “مقادير الحياة” كما تتبدّل وصفة نضجنا المهني. لم تعد الحياة في العمل تُقاس بعدد الساعات، ولا بالمسميات الوظيفية، ولا حتى بحجم الإنجاز المرئي للآخرين، بل بشيء أعمق: بما نُصبح عليه نحن كلّ صباح.
بعد الأربعين، يتغيّر طعم الطموح. لم يعد اندفاعًا أعمى نحو الأعلى، بل رغبة هادئة في أن يكون لما نفعله معنى. نختار المعارك التي تستحق القتال، ونتجاوز الصغائر التي كانت تُرهقنا من قبل. نتعلّم أن الإنجاز الحقيقي ليس ما يُكتب في التقارير، بل ما يُترك في النفوس.
في هذه المرحلة، تتوازن المقادير: نُضيف ملعقة من الخبرة، ورشة من الصبر، وكوبًا من الثقة بالنفس بعد تجارب علمتنا أن الخطأ ليس فشلًا، بل طريق نضج. نُخفّف من الملح الزائد في العلاقات المهنية، فلا نُجامل كثيرًا ولا نتصادم عبثًا. نُدرك أن الاستقرار المهني ليس سكونًا، بل وعيًا بما نريد أن نُكمل فيه الطريق.
الحياة بعد الأربعين تُعلّمنا فنّ الانتقاء، ننتقي من الوقت ما يستحق أن يُعاش، ومن الفرص ما يُضيف لا ما يُرهق، ومن الزملاء من يُلهم لا من يُستهلك حضورنا. إنها مرحلة نضج المذاق المهني، حيث لا نركض وراء كل شيء، لأننا أخيرًا عرفنا قيمتنا، وعرفنا أن ما نملكه من سلام داخلي هو أعظم إنجاز.


