” الفيلسوف الحائر ” بقلم – خالد جعفر

علي نهج أستاذنا ومفكرنا العظيم توفيق الحكيم في مسرحيته السلطان الحائر أجدني أقتبس نغمة عنوان كتابه بتصرف عن شخصية أبي الوليد بن رشد الفيلسوف الذى حيرني . وبعد سنوات طويلة وقراءة بحثية فى فكر ابن رشد الذى أحدث ضجيجا فكرياً أدى به إلى حرق كتبه التى أثارت جدلا واسعاً منذ زمنه حتى الآن .. وجدت أن ابن رشد على قدر إعجابى الشديد به منذ أن درست فكره الفلسفى فى كليتى العظيمة (دار العلوم) حتى الآن , أنه فيلسوف عالم لاشك فى ذلك ، إلا أنه فيلسوف يكتنفه الغموض أحيانا ، وتحيط به علامات استفهام كثيرة ، ولم أستطع طوال مايقرب من أربعين عاما تحديد هويته الفكرية , وكثرت في نفسى كثير من التساؤلات . هل هو فيلسوف ؟ أم هو رجل دين ؟ . هل هو أشعرى ؟ أم هو معتزلى ؟ . أجهدنى كثيراً هذا الرجل العظيم وحيرنى فى كتابه (منهاج الأدلة) . عندما تقرأ له بتفكر وهو يقول : لايجوز تعطيل العقل فى مجال العقيدة لأن العقل أساس التكليف . ثم تجده يعقب مباشرة ويقول : إلا أنه لايجوز أن يتجاوز العقل حدوده . لماذا هذه المداراة يا شيخنا ؟ وكثير من هذه الإشكاليات التى ربما يقصد منها أن يترك الأمر لك وأن يكون لك فيه حرية الاختيار .. هكذا وجدت أبا الوليد غير واضح فى عقيدته وفلسفته ، ودائماً يحدث توافقا بين الفلسفة والشريعة , أو بين الحكمة والدين . وفى غموضه هذا كل العبقرية ، فهو لايريد أن يفرض رأيه عليك ويجعلك تفكر , ولك أن تختار .ولكني مازلت مفتونا بهذا الفيلسوف الذى عشت عمرا ً طويلا مع أفكاره وآرائه . وزاد إعجابى به أنك لاتستطيع أن تصنفه فكرياً أو مذهبيا . فهو غير منتم إلا لعقله . أعجبني فى جرأته على علماء (علم الكلام) فى تأويلهم لنصوص الكتاب والسنة ، وهو يعلن أمام الرأى العام أن تأويلهم هو الذى غير المفاهيم التشريعية وبدل معالمها الصحيحة وأفسد على الناس مفهومها ، وحكم عليهم أنهم يجادلون بالباطل حتى تخضع النصوص لآرائهم وعقلياتهم .. ويبقى سر عظمة ابن رشد أنه لم يأخذ فلسفته من عرب ، ولم يعرف عنه أنه تتلمذ على يد عالم عربى ، ولكنه كان متأثراً بفكر أرسطو ناشرا علمه ، وحاملا رايته ، ويمتطى جواده إلا أن جواده لم يسلم من الكبوة ، وسجن وعذب وحرقت مؤلفاته فى عصر الظلام والقهر والإرهاب الفكرى .

اترك تعليقاً