طائر اللقلق يحمل بقماشة الوليد الجديد

بقلم – مروة الحمامصي

طالما كان ميلاد طفلاً هو شيء سار ومحبب لكل أسرة , فكان ذلك الكائن الصغير الضعيف مستأثراً بالجهد والعطف والحماية , والأم تكون متكررة الزيارات للطبيب منذ بدايات الحمل وحتى ما بعد ولادة الطفل , فكلاهما يحتاجان للرعاية الصحية , ولكن في الأزمنة القديمة لم تكن التطعيمات واللقاحات والعناية الطبية كما كانت عليه في آيامنا هذا , وكان وفاة المواليد الصغار شيء وارد , بل وكانت حياة الأم مهددة بالخطر منذ بدايات الحمل , فكان لابد من اللجوء بقوى عظيمة لحماية الأم والمولود .

وفي مصر القديمة على الرغم من تقدمهم الطبي إلا أنهم لجأوا لمعبودة حاميةللأم آثناء الحمل والولادة وكذلك للوليد , فكانت أنثى فرس النهر أو “إبي “بمعنى المرضع الحاضن و ظهرت تلك التسمية في نصوص الأهرام في الدولةالقديمة , ثم اسم “ررت” والذي ظهر في الدولة الوسطى , ثم “تا ورت” فيالدولة الحديثة , وهي معبودة حامية منزلية استعان بها المصري كتمائم ونقوشعلى الأسرة و الأثاث و أدوات الزينة وكل مايشير بدلالات للخصوبة وكذلكعلى العصي السحرية للولادة , وقد ارتبط هذا الحيوان في ذهن المصري القديمبالبطن الممتلئ كرمز الخصوبة والحمل , وكذلك لاحظ شراسة هذا الحيوانواستماتته في الدفاع عن صغاره فوجدوا فيها المعبودة الحامية , وصورها المصري القديم كأنثى فرس نهر تقف على قدميها الخلفيتين وهما قدم أسد ولهابطن كبير وثديين متدليتين و ذيل تمساح , وجمع المصري القديم بين الثلاثحيوانات الشرسة زيادة في الحماية . وقد أضاف لها أحياناً الشعر المستعار , أوتاجاً يتخذ شكل قرص الشمس مابين قرني بقرة , وتعلوه ريشتان عاليتان .

   أما في التراث الأوروبي ارتبط كائن آخر بالحمل والميلاد , وهو طائر اللقلق – وإن ابتعد عن تعاويذ الحماية التي ارتبطت بها أنثى فرس النهر في فكر المصري القديم – ففي التراث الأوروبي كان الإجابة المعتادة للأطفال عند سؤالهم لذويهم كيف أتوا للحياة  ؟ فتكون الإجابة  : طائر اللقلق , فالأسطورة تروي أن طائر اللقلق الأبيض يطير حاملاً قماشة تحمل الوليد الجديد وتضعه على عتبة منزل الوالدين , فالأطفال الصغار أصغر من أن يدركوا كيف جاءوا لهذه الدنيا , وربما كانت تلك الفكرة ماثلة في اذهان ذويهم فترجموها لتلك الأسطورة , فطائر اللقلق الذي يغادر أوروبا للجنوب بحثاً عن الدفء في نهاية فصل الصيف يعود إلى دياره بعد تسعة أشهر في شهري مارس و أبريل و كأنها رحلة جنين من التكوين للولادة , وكانوا يظنون أن ابناء مواليد شهري مارس و أبريل كانوا نتاجاً لحفلات الزفاف الجماعي التي كانت تتم في منتصف الصيف يوم 21 يونيو , وكان يقام حفلاً منذ أن كانت أوروبا في عصور الوثنية للاحتفال بالحصاد والخصوبة , فكأن اللقلق يعود للديار مع مولد أولئك الأطفال وكأنه يجلبهم لأسرهم , وقد ظهرت تلك الأسطورة في قصص الأطفال الغربيين وفي أفلام الرسوم المتحركة أكثر من مرة .  

اترك تعليقاً