فتوحات الروح (3) .. فى دين الله أفواجا

بقلم – د. شيرين العدوى

الرئيس ماكرون.. عشت معكم على مدى عدة مقالات أناقشكم الحجة بالحجة دفاعا عن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأرد على فخامتكم السيئة بالحسنة, أرد بالصوت الهادئ الذى يأمرنا به ديننا، فروح الإسلام فى قوته الناعمة, وأعلم أنكم لم تعتذروا بشكل صريح، لكنكم حاولتم أن تبعدوا شبهة الاعتداء على رسولنا بدعوى أن تلك الرسومات_المسيئة تندرج تحت مبدأ الحريات الذى تؤمن به فرنسا, فالجميع بمن فيهم الأنبياء ليسوا بعيدين عن النقد. وقد أجبتكم: بأن حزننا ليس بسبب التطاول فقط على رسولنا فنحن نؤمن بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، والله هو الذى حمّل محمدا الأمانة فهو قادر على رد كيد المتطاولين وحماية رسوله ورسالته. حزننا كان لتوجه دولة ممثلة فى تصريحكم الجارح على سيدنا محمد بدعوى الحريات ولا أعتقد أنكم يمكنكم التصريح برسم السيد المسيح فى رسومات مسيئة بدعوى الحريات! فبتصريحكم المشين فقدت فرنسا أمامنا وأمام العالم أجمع مصداقيتها فى رعايتها للحريات, لأن أدنى مفاهيم الحرية يتمثل فى المحافظة على احترام عقيدة الآخر، فأترك له حرية الملبس والمأكل والمشرب والدين.نحن نعلم أن تصريحكم هذا لم ينبع عن إيمان بالحريات بقدر ما هو مغازلة للتيار اليمينى المتطرف الذى تمثله منافستكم فى الانتخابات المقبلة. فأنتم تمثلون اليسار الذى لا يُعنَى كثيرا بالأديان فأردتم مغازلة الطرف الآخر لنيل أصواته. لقد جانبكم الصواب بهذا التصريح لأنكم فقدتم أصوات 6 ملايين مسلم تستطيع ترجيح كفتكم الانتخابية. أما عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلا تضيره رسومكم المسيئة التى تحاولون بها تشويهه, فقد تعرض فى بداية دعوته للعديد من المضايقات فلم يهتز ولم يتراجع عن تبليغ رسالته. مثله فى ذلك مثل كل الأنبياء فإنه بشر، رسول ورسالته لم تكن بدعا وإنما استكمال لمكارم الأخلاق التى سبقه بها كل الأنبياء فإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ومكارم الأخلاق هى التى جعلتنى أرد عليكم بالصوت الهادئ المبجل الذى قد لا يعجب الكثيرين ممن لم يعوا الفهم العميق للإسلام. سيدى الرئيس: ظل الإسلام يحارب من أول البعثة المحمدية إلى الآن ورغم ذلك ظلت تدخله الجموع الغفيرة من كل الجنسيات فى كل الأوقات حتى ممن لم يروا الرسول أو يعيشوا عصره، أو يقتربوا من حماه.لم ينشر الإسلام بحد السيف ولكن بحد الروح الشفافة التى أنتجت مؤلفات جلال الدين الرومى الفارسى البعيد عن أرض الرسالة فى مثنويِّه مثلا، فتتفتح روحه ليعلم أن دورة الخليقة قائمة على فكرة أن الأدنى يفنى فى الأعلي،وأن الجمادات ذات حركة وتطور، وأن طعامها وفقا لنظريته الآكل والمأكول معنوي، شأنه فى ذلك شأن طعام النفس فى مرتبة اليقين. ودلل على نظرية الجماد تلك بأن عصا موسى استطاعت أن تتحول حية لتأكل عصى السحرة عند تحدى فرعون. من بصَّر الرومى بكل هذا غير إيمانه العميق بالإسلام وفهمه الواعى بقيمته؟! إنها فتوحات الروح التى انتشر بها الإسلام، والتى أنتجت لنا الفتوحات المكية لابن عربى وعلوما كثيرة كفلسفة ابن رشد، وطب ابن سينا، وهندسة الخوارزمي، وكيمياء جابر بن حيان. فإذا اعتبر منتسكيو أن الديانة الإسلامية ديانة القوانين فإنه مدحها من حيث لا يدري، إذ نظمت أيضا قوانين الحياة, لتطلق الحريات فى أعلى صورها ألا وهى المحافظة على مشاعر الآخر بأداء الواجبات تجاهه وحفظ حقوقه فى ممارسة حياته ومعتقده كما يحب.

اترك تعليقاً