اصطفاء العقول

بقلم – د. شيرين العدوى

فى العصر الرقمى يرسل الناس لبعضهم ما يجدونه غريبا أو جميلا أو موجعا. إنه شعور جمعى بالرغبة فى التشارك المجتمعي.هذا السلوك يؤكد لى أن الإنسان بفطرته مخلوق اجتماعي، وأنه قد تغلب على الرقمنة التى اخترعها الغرب للهيمنة عليه للوصول لعصر الشيطان طبقا لنظرية المؤامرة. عادة لا أطيق مشاهدة الأشياء التى تفجر فيَّ طاقات الغضب أو الكره: كالقتل أو التعذيب أو العنصرية أو المقاطع الإباحية التى تحرض على التقليد الأعمى أو الترخص فى الخلق المعتدل. فأنفر من تلك المقاطع إذ تأباها الفطرة السوية، وأتألم جدا إذا ما قابلتنى بالمصادفة. فى هوجة كورونا وبعد مناقشة حامية الوطيس عن المستقبل مع إنسان عزيز على يعمل فى أحد مواقع الجريمة، طرحت عليه عدة أسئلة: إلى أين نحن ذاهبون، وكيف يتَحكّم الغرب فينا عن بعد؟ فرد: إن القادم مخيف؛ ثم أرسل لى مقطعا ما إن فتحت المحتوى حتى انشقت روحى نصفين؛ إذ كان المقطع لشاب فى عمر الزهور مُحْوَّل العينين يضحك ويبكى ويصرخ فى آن واحد تتحرك يده بحركة تلقائية كأنه يمسك بيده لعبة إلكترونية وليس فى يده شيء، ثم مقطع آخر لنفس الطفل قبل أن يصاب بتلك اللوثة من جراء الإدمان على ألعاب الكمبيوتر يظهر فيه غاية فى الجمال والرقة والشياكة والاتزان. جعلنى هذا أتابع كل ما يتعلق بهذا الموضوع فعثرت على عدة دراسات من ضمنها دراسة لباحث إسبانى يدعى خسيوس بوجل تمت على عينة لطلاب من سن 7 إلى 14 عاما تؤكد أن الطفل الذى يداوم على الألعاب الإلكترونية على مدى 9 ساعات أسبوعيا يسبب له ذلك انحرافا فى شخصيته إذ يصبح سلوكه عدوانيا أو انطوائيا. وأنه يعانى إهمالا أسريا أدى به لهذا الإدمان، بينما من يقضى ساعتين فى الأسبوع تتحسن مهاراته العقلية والمجتمعية. وقفت طويلا أمام كلمة أسبوع وقارنت بينها وبين أطفالنا فى مجتمعاتنا العربية.إذا فبماذا نسمى ما نحن فيه الآن، إذا كان 9 ساعات أسبوعيا يسمى إدمانا؟ فإننا نترك أولادنا فريسة لتلك الألعاب طوال النهار فيدربون على العنف والتفسخ الأسرى والبعد عن الدين ويرسخ فيهم قيم القتل واللذة به، إذ لا يفوزون فى تلك الألعاب إلا بالقتل وتسبق حركة أيديهم عقولهم لمواجهة الوحوش والأشخاص. قادنى هذا لسؤال الملح. لماذا تلك الألعاب العنيفة، وما الهدف من ورائها؟فى نفس اتجاه البحث توصلت إلى خبر آخر يقارن قوة الذكاء بين الكمبيوتر والإنسان بل يشير إلى فريق من الباحثين الدنماركيين يعملون على الاستفادة من خبرة هواة ألعاب الفيديو فى بناء أجهزة كمبيوتر خارقة تعمل بتقنيات الفيزياء الكمية وتعتمد على مجموعة من اللاعبين لمساعدة الكمبيوترات على تعلم طرق تفكير البشر وتصرفاتهم ولعبهم.قادنى هذا لمتابعة برنامج الإبحار فى الذاكرة وضيوفه المهمين من علماء واقتصاديين وعسكريين يتحدثون عن تجاربهم عبر وثائق لوكالة الاستخبارات السوفيتية أفرج عنها أخيرا ودونوها فى كتب أصدروها بالفعل. فأجد البرنامج ينقسم إلى عدة محاور: محور يتحدث عن المؤامرات التى حيكت فى القرنين الماضيين ضد الوطن العربى والاغتيالات النفسية والمعنوية لبعض الحكام وشغلهم بالحروب الداخلية؛ فمن يظهر نهضة أو يقف فى وجه الغرب تتم تصفيته كصدام والقذافي.. المحور الثانى اقتصادى يهتم بمن يسمون القتلة الاقتصاديين الذين يهيمنون على اقتصاد الدول النامية بقتل مشاريعها وإلجائها للبنك الدولي. محور ثالث يختص بدراسة الإنسان ومحيطه من فضاءات وأراضين. ليتأكد لى أن ما يفعل بأبنائنا من اصطفاء عقولهم عبر الألعاب ليس مصادقة. وللحديث بقية.

اترك تعليقاً