الوحدة الوطنية .. ودور التربية في غرس القيم ونشئتها في نفوس ابنائنا لتعزيز وحدتهم الوطنية

بقلم : طراد علي بن سرحان الرويس

إن عالمنا اليوم يواجه تحديات جسام سواءاً كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ، ينتج عنها كوارث وأضرار جسيمة ، وحروب أهلية في عدة دول ، فلو نظرنا في معظم تلك المشكلات لوجدنا أن حلها يكمن في التزام البشرية بالقيّم والمبادئ الإنسانية الغائبة ، فغياب تلك القيّم هو أحد أهم الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تفاقم تلك المشكلات ووصولها إلى حد الخطر ، وفي ظل ما تعيشه من متغيرات علمية وتقنية متسارعة ، يحظى مفهوم الوطنية باهتمام كبير .. وما يرتبط به من قيّم وسلوكيات في عالمنا هذا ، جعل خصوصية الشعوب وقيّمها معرضة لخطر الاستلاب الحضاري .. مما يضفي مسؤوليات مضاعفة على المؤسسات التربوية والعلمية لتحويل مفهوم الانتماء والولاء إلى سلوك يستشعره المواطن في كل نواحي حياته ، ليصبح قادراً على الوفاء بمتطلبات المواطنة وتعزيز الانتماء الوطني والولاء والتصدي لكل من يقف أمام تنمية وطنه ولكل من يسول له نفسه المساس بأمنه واستقراره .

لذلك يجب العمل على نثر بذور القيّم من جديد ومحاولة غرسها في عقول ونفوس أجيالنا القادمة للحد من انهيار مجتمعاتنا العربية ، وللتربية دوراً هاماً وأساسياً في نشئة القيّم سواءاً قيم المواطنة أو غيرها لدى أبنائنا وتنميتها والشعور بالانتماء للوطن والحفاظ على موارده وممتلكاته والدفاع عنه وعن وحدته ، فكرامة المواطن ومكانته ومصدر اعتزازه ، مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بوحدة وطنه وسلامته من الاضطرابات الأمنية داخلياً وخارجياً ، وسلامته الاجتماعية والسياسية ورفاهيته الاقتصادية .

حيث أن التعامل مع أطفالنا لغرس القيّم في نفوسهم تتطلب درجة عالية من الحساسية والهدوء حتى يقبل الطفل الرسالة التربوية بصورة سليمة ومفهومة ، فمهمة غرس القيّم الأخلاقية في نفوسهم تعّد من المهام المليئة بالتحديات والصعوبات ، لما لتلك القيّم أهمية كبيرة في بناء شخصية الفرد وحمايته من الوقوع في الخطأ ، حيث تشكل درعاً واقياً له ، وتجعله يشعر بالسلام الداخلي والطمأنينة والاستقرار في حياته الاجتماعية ، وكذلك تساعده على كسب ثقة الناس واحترامهم ومحبتهم ، وتجعله قادراً على التأقلم مع الظروف بقناعة وثبات .

فتلك القيّم تعمل على التقريب بين الشعوب والأمم من خلال ترسيخ الاحترام المتبادل ، والتفاهم وقبول الآخر ، ونبذ الصراعات القائمة على أساس التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو المعتقد الديني ، فكل تلك القيم تعمل على الحد من هذه الاختلافات ، والحث على رؤية أوجه التشابة والتقارب بين أبناء المجتمع لتعميق الاتصال بين الشعوب والأمم ، وتشكل نمط عام للمجتمعات وقانون يراقب تحركاتها.
حيث شهد العالم في الماضي القريب ، وتحديداً مجتمعنا في منطقتنا العربية أحداثاً متسارعة ومتلاحقة وتطورات سريعة ليضع عالمنا العربي في واقع التغير .. الذي يتطلب مننا كمجتمع مدني الدعم والمشاركة في صناعة وحدة وطنية عربية واعية تدرك طبيعة حقوقها وواجباتها ، لتنمي في روح مواطنيها الأبعاد المعرفية والمهارية والوجدانية للوحدة الوطنية.. وتعتني بشبابها وتوجيههم للرفع من اسهامهم في تنمية الوطن والإرتقاء بالمواطن ليصبحوا قادرين على مواجهة تحديات ومعوقات الحاضر ومستجدات المستقبل ، وتغرس مفهوم القيّم لتمثل نموذجاً يحتذى به للاندماج البشري الذي يستوعب جميع الانتماءات المجتمعية لنشئة المواطن الصالح الذي تقع عليه مسؤولية تعزيز وحدته الوطنية والحفاظ عليها ، وترسيخ مفاهيم وسلوكيات المواطنة وقيم الولاء والانتماء للوطن العربي ، لتكون سياجاً حصين ودرعاً واقياً للجميع يصد عنه كافة المخاطر والتهديدات والتحديات المستقبلية .

فالمساس بالوحدة يمس أهم الثوابت الوطنية ، ويهدد ركيزة الأمن والاستقرار للوطن العربي ، ومواجهة التحديات التي تزعزع مظاهر المواطنة العربية وقيم الانتماء والولاء للوطن ، وتضعف الروابط الاجتماعية ، وتخترق منظومة القيّم والمعتقدات الاصيلة لمجتمعنا العربي .

ففي واقعنا اليوم ، مجتمعنا العربي يواجه مجموعة من التحديات الاجتماعية والفكرية والسياسية التي تهدد أمنه واستقراره ، وتزعزع قيّمه للمواطنة والولاء والانتماء للوطن ، وللتعامل في مواجهة كل ذلك يتم من خلال تبني شعبي عربي استراتيجية وطنية متكاملة تستهدف إبراز مفاهيم قيّم المواطنة للحفاظ على وحدتنا العربية ، وتكريس قيم الولاء والانتماء للوطن ، ولتحصين الهوية الوطنية العربية وحمايتها من الممارسات السلبية والانحرافات السلوكية الدخيلة علينا .

حيث أن هناك جهات أساسية تشكل مفهوم الوحدة الوطنية ، وتنمية الشعور به لدى أبناءها ، ومنها (الأسرة ، المؤسسات التعليمية ، أماكن العبادات ، الصحبة ، ووسائل الاعلام بمختلف أشكالها) ، فعملية تعزيز الوحدة الوطنية تعد محصلة مجموعة من الأعمال والجهود التي تديرها وتقوم بها منظمات المجتمع المدني ، ولا ننسى بأن عملية تضمين القيّم المعززة للوحدة الوطنية والتي تسعى إلى تأسيس وترابط تكوين المعرفة التي تجسد مفاهيم وأبعاد الوحدة الوطنية ، إلا أن الواقع يشير إلى أن هناك انعكاساً سلبياً لتيارات التحوّل والتغّير وما تمر به منطقتنا العربية ، والذي يتطلب السعي إلى تربية أفراد مجتمعنا على الوحدة الوطنية لمواجهة التغيرات والتحديات الحالية سواءاً كانت على الصعيد المحلي أم الاقليمي أم العالمي ..

وكذلك العمل على تقديم تصور استراتيجي لتعزيز الوحدة الوطنية في البلد العربي الواحد ، ولبذل الجهود في سبيل تحقيقه التنمية الشاملة التي تقوي الوحدة الوطنية المرتبطة بمفاهيم الانتماء والولاء وغيرها لتحقيق الوحدة داخل الوطن . ومن دوافع تعزيز الوحدة الوطنية هو الوصول إلى مبدأ المواطنة وتجسيد مقتضياتها ومتطلباتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

وان القدرة على الاتصال والتعايش والقبول بالآخر والالتزام بقيّم المواطنة والدفاع عن حقوق الانسان ، وتدعيم قيم الوحدة الوطنية ، أساسها التربية ودورها في تعزيز قيّم المواطنة وقيّم الوحدة الوطنية ، وإن الدور المتعاظم في توحيد الأفكار والقيّم والاتجاهات وتدعيم الشعور بالإنتماء للوطن وللأمة ، سيعزز الاتجاهات نحو الدفاع عن الوطن لصون أمته ووطنه والدفاع عن وحدته وتدعيم تطوره وازدهاره .

إلا أن الهجوم على قيّمنا وفكرنا العربي لا يزال مستمراً في ظل الازمات المتتالية على وطننا العربي ، والذي يستهدف تحطيم أفكار النهوض العربي واحباطه ، فيتوجب العمل على مواجهة تلك الهجمات والحملات القاسية التي يتعرض لها الفكر القومي العربي ، فإن الانتماء للوطن يعد مؤشر لقوة المجتمع وتماسكه ، وكذلك يعد قاعدة يرتكز عليها بناء وتنمية المجتمعات ، ومن أهم عوامل تعزيز الانتماء هي التربية بمفهومها الواسع والتي تعد مصدر أساسي في النحو الفكري والشخصي والاجتماعي والسياسي والروحي ، فالانتماء للوطن يعتبر من أهم القيّم التي يجب على المؤسسات التربوية أن تحرص على تنميتها لدى أبناءنا الطلاب لما يترتب عليها من سلوكيات إيجابية ينبغي غرسها في نفوسهم . 

اترك تعليقاً