الإفراط في التفاؤل قد يؤثر على الصحة النفسية

عندما تشتد المصاعب، قد يبدو أن رسم ابتسامة عريضة على الوجه هو الأسلوب الأمثل للتأقلم مع الأزمات. لكن في الحقيقة هذه الطريقة قد تضر بصحتنا النفسية، ولحسن الحظ أن ثمة طريقة أخرى للتعامل مع الشدائد والتحديات.
على مدى العام الماضي، اتخذ وباء فيروس كورونا أطوارا متعددة، فقد كان مرعبا ثم مزعجا، وأخيرا أدركنا أن حياتنا بعده لن تعود كما كانت على المدى الطويل. وقد تغيرت أيضا الأساليب التي استخدمناها للتعايش مع الوباء تبعا لتغير أطواره. لكن كانت هناك اختلافات كبيرة في طرق تعاملنا مع العزلة.
فقد رأى البعض أنه لا يمكن التكيف مع الأزمة من دون النظر للأمور بإيجابية، فالكثير منا انتهز فرصة الحجر الصحي للاستمتاع بالإيقاع البطيء للحياة وإعادة النظر في حياته، أو شعر بالامتنان لأنه لا يزال يحتفظ بوظيفته أو يستشعر قيمة الأشياء الإيجابية في حياته، حتى لو كان يحاول تحقيق التوازن بين دعم تعليم الأطفال من المنزل وبين العمل عن بعد والحفاظ على سلامة أفراد أسرته.
ولا شك أن الحفاظ على التفاؤل والتعبير عن الامتنان من الصعب أن يؤديا إلى نتائج عكسية، لكن الإفراط في التفاؤل، أو ما يعرف بالإيجابية المفرطة، قد يدفع المرء إلى الاعتقاد أن المشاعر السلبية من مظاهر الفشل أو علامة على الضعف.
وأجرت جيسيكا ميد، طالبة الدكتوراة بقسم علم النفس بجامعة سوانزي، دراسة في بداية الحجر الصحي الربيع الماضي، لقياس التغيرات التي طرأت على مستوى الرضا والسعادة بين الناس في المملكة المتحدة، وكان من الطبيعي أن تتراجع مستويات الرضا والسعادة في ظل الجائحة، لكن ميد وزملاءها خلصوا إلى أن التفاؤل مع الاعتراف بحتمية المآسي أسهم في زيادة القدرة على التأقلم بكفاءة مع صدمة الوباء.
وطلب الباحثون في الدراسة من المشاركين تقييم مدى موافقتهم على بعض الجمل مثل: “لقد تعلمت كيف أواجه كل ما يلقيه القدر في طريقي وأتكيف معه”، و”أتقبل الأمور التي لا يمكن تغييرها في حياتي”، ورأى الباحثون أن المشاركين الذين يؤيدون بشدة هذه الجمل يتحلون بالتفاؤل المأساوي، فالأشخاص الذي يدركون أن الحياة لا تخلو من المصاعب ويعدون أنفسهم لمواجهة الشدائد في الحياة، كانوا أكثر قدرة على التكيف مع الحجر الصحي مقارنة بغيرهم الذين أنكروا وجود المصاعب والتحديات.

واكتشفت ميد أيضا أن الأشخاص الذين يتحلون بالتفاؤل رغم المآسي والمعاناة، كانوا يتأملون أشياء مثل علاقاتهم مع أصدقائهم وعائلاتهم للبحث عن معنى، وتشير إلى أن إيجاد المعنى في الأوقات العصيبة يعد عملية أكثر تعقيدا مقارنة بالحلول السريعة للهروب من الأزمات، مثل ممارسة ألعاب الفيديو لبضع ساعات.
إن بعض الناس ممن يجدون صعوبة في التأقلم مع الصدمات قد يصابون باضطراب ما بعد الصدمة، وقد أثار الكثير من العاملين بمجال الصحة النفسية مخاوف من تزايد معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بعد انحسار الوباء، وتقول ميد إن حث الناس على التفاؤل المطلق والشعور بالامتنان في وقت يكابدون فيه مصاعب شديدة لن يساعدهم على التعلم من الأزمات ولن يؤثر إيجابا على شخصيتهم بعد انحسار الأزمة.

اترك تعليقاً