الشورجة عنوان لنكهة المطبخ البغدادي

تنتشر رائحة التوابل والبهارات عند الخطوات الاولى المؤدية الى سوق الشورجة ،وقد تكون هذه الرائحة هي ما يميز اقدم واشهر اسواق بغداد والعراق ،فالشورجة تحكي تاريخ الحياة التجارية والاقتصادية في بغداد منذ استيطانها من قبل العباسيين وحتى الوقت الحاضر.ويقول  المؤرخون ان اول تسمية لها  كانت سوق (الرياحين) ،ثم  استبدلت الى سوق (العطارين) ، ثم  جاءت  تسميتها الاخيرة  بـ (الشورجة) و معناها البئر المالح  باللغة  التركية  ،فهي سوق متخصص للمنتجات الزراعية والعطور والاعشاب والمنتجات اليدوية ،ويقف بجانبها عدد من الاسواق القديمة ،مثل سوق القماش وسوق الصفارين وسوق الغزل  و(عكد الجام) و (عكد النصارى) وسوق السراي وشارع النهر حيث كانت بغداد  في رصافتها اكثر سكانا من كرخها مع وجود الدوائر المهمة كمقر الخلافة او ديوان الوالي ومقر الجند والمحاكم والمدارس . وداخل سوق الشورجة توجد اسواقاً متخصصة منها سوق الصابون وسوق التوابل وسوق القرطاسية واخر للزجاجيات والفرفوري ( الخزفيات ) والفافون ( الألمنيوم ) إلى غير ذلك ،وفيه الخانات (وهي اشبه بالمخازن الخاصة بالبضائع منها (خان لاله الصغير)، و (خان جني مراد) ، و(خان الامين) و (خان الاغا الكبير) ، وفيها جامع النخلة وجامع النوبجي اضافة الى مرقد الحسين بن روح وبنات الحسن (ع) وجامع مرجان وجامع الخلفاء. دخول (الشورجة) ليس كما الخروج ،فالبغداديون يقصدون هذه  السوق للتبضع  مما يحتاجونه من مُؤنٍ و مواد غذائية ، لكن لرائحة التوابل والبهارات وانتشار محالها على جنبات هذه السوق جعلها قبلة البغداديين  و العراقيين و مقصدهم . ولحرفة  العطارة  فن  و مهارة  ، لا يتقنها الا  من يزاول  هذا  العمل ، فما بالك بالذي ورثها اباً عن جدّ . محمد  الشمري ، صاحب محل عِطارة في سوق الشورجة ،يقول :إن  “مهنة العطارة  توارثناها انا واخوتي اباً عن  جدّ ،وهي بحر كبير لا يمكن  تعّلمها بسهولة من قبل أي  شخص  فهي  تحتاج  الى خبرة متراكمة وابداع” .  و صحيح ان الامثال  تضرب و لا تقاس الا في  هذه السوق  فالأمر  يختلف فمعظم العطارين هنا في الشورجة  يسيرون على المثل الشعبي القائل (ان سر النجاح  يكمن في  سرِ الخلطة ) .وأبو يوسف محمد ابراهيم – صاحب  محل  مميز في احد اركان هذه  السوق  يقصده الزبائن من بغداد والمحافظات  لسرٍ في  خلطات توابله تحدث  قائلا : إن  “للبهارات  انواع كثيرة حسب  انواع  الاكلات العراقية ،منها بهارات  الجدر و البرياني  و كاري الطبخ و الكركم  و شاورما اللحم و الدجاج  و البيتزا  و الكنتاكي و الدولمة  و القوزي و انواع الاكلات الاخرى  ،حيث  تعتمد تلك  الانواع على خلطات متعددة بنسب  معينة  و دقيقة من الاعشاب كـ (الكزبرة  و الكمون  و حبة  الحلوة  و الدارسين و القرنفل و الزنجبيل و الجوز بوه و الزعفران  و البستج  و الجفت ) وغيرها الكثير “. واضاف ، ان “لكل  عطار سرٌ في  مهنته ، فهناك  محلات لا يجد  فيها  الزبائن ما يريدون من نكهة ، لان خلطاتهم  ليس فيها  خبرة ، بينما هنا فان اغلب زبائني يقصدوني  منذ  سنوات ، لان بهاراتي  و توابلي  تحقق  مرادهم  و طلبهم كما يوجد  في البهارات  الاصلي  و العادي” .ويبقى  المطبخ  البغدادي مميز برائحة  توابله  (الشرقية) و الفضل  يعود  الى  الشورجة  و دكاكينها العتيقة التي  ترفد موائده  بما لذَّ و طاب من مطيبات  الطعام.ولا تستعمل  البهارات و التوابل كمطيبات للأكلات  البغدادية و العراقية فقط وانما هي ايضا لها فوائد  صحية كثيرة .  وعن  تلك  الفوائد  الصحية  تقول التربوية  و مدرسة الاحياء ، اميرة عزيز احدى رائدات سوق العطارين في الشورجة  إن “مادتي الكمون و حبة الحلوة مفيدتان جدا  للقولون و التخلص من الغازات  كما تستخدمان كمُنحف من السمنة و ازدياد الوزن ، و القرنفل  يستخدم  مهدئاً لإلام الاسنان و علاج  الربو ، و الجوز بوه و الجفت  فإنها  يستعملان  مقويان للشعر ، و الدارسين و البستج  يستخدم لعلاج  السكر ، كما ان الكركم  يستخدم  حاليا  لعلاج  المفاصل .اما المواطن حسن زاير  فانه يخصص يوما واحد من كل اسبوع للتسوق من الشورجة ،يقول :”أنا اخصص  يوما  من الاسبوع  للمجيء الى  سوق العطارين ،ملبياً  قائمة  زوجتي  من البهارات  التي  تحتاجها للأكلات  على مدى ايام الاسبوع ،حيث  لا تخلو أي وجبة لنا في البيت باستثناء  الفطور من وجود التوابل و البهارات فيها ، فهي  تمنح طعم و نكهة اخرى  للأكل  تفتح  الشهية و الذائقة  و تجعلها اكثر  صحية” . توابل و بهارات متنوعة  من مصادرة مختلفة تصبُ في هذه  السوق  القديمة التي فيها عبق العطارة  الهندية ممتزجا بتلك  العربية، في  حين  يبقى  الزعفران  متربعا على عرشه بين بهارات السوق.

اترك تعليقاً