في مصر، هل أطاحت المخابرات المركزية بالملك فاروق في يوليو ١٩٥٢؟

مصدر الصورة
Apic/RETIRED

Image caption

خرج الملك فاروق من مصر إلى إيطاليا بعد الإطاحة به عام 1952

قد يبدو السؤال مريبا بالنسبة لأنصار الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، الرجل الأقوى في حركة الضباط الأحرار التي غيّرت وجه مصر إلى الأبد في ذلك اليوم الشهير من شهر يوليو/ تموز ١٩٥٢.

لكن كتابا صدر في لندن قدم في إطار سرده لقصة التنافس الأميركي البريطاني على المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، قصة علاقة الجاسوس الأميركي الشهير كيم روزفلت مع الضباط الأحرار وكيف التقى بمجموعة منهم في قبرص.

كان ذلك قبل أشهر من الإطاحة بالملك فاروق الذي لطالما كان يردد قبل رحلته الأخيرة من الإسكندرية إلى إيطاليا بعد الإنقلاب عليه أن ملوك العالم لن يبقى منهم سوى ملوك ورق الكوتشينة الأربعة وملك بريطانيا.

الكتاب الذي ألفه المؤرخ البريطاني الشاب جيمس بار بعنوان ” Lords of the Deserts” (سادة الصحراء) يرسم خريطة معقدة للمنطقة العربية وإيران خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات وصولا إلى أوائل الستينيات.

ويسلط بار الضوء من خلال الوثائق البريطانية والأميركية التي بحث فيها خلال تأليفه الكتاب، على صراع النفط بين أرامكو السعودية-الأميركية وشركة النفط البريطانية الإيرانية، وكيف ورّطت لندن حليفتها وخصمها في آن، واشنطن، في عملية “أجاكس” الشهيرة التي أطاحت برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدّق وثبتت حكم شاه إيران آنذاك، محمد رضا بهلوي، عام ١٩٥٣.

مصدر الصورة
Bettmann

Image caption

استولى الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر على السلطة دون مقاومة تذكر

إذاعة صوت العرب

ويحضر عبد الناصر بقوة في صفحات الكتاب، فقد ظهر أولاً كحليف لواشنطن وخصماً للندن، ثم عدواً لكليهما. ويتضمن الكتاب شرحاً مع سرد لقصص من تلك المرحلة عن لعبة المساومة التي احترفها الزعيم المصري الراحل بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وكيف عوضته الأخيرة عن صفقة سلاح بتقديم هدية، هي إذاعة “صوت العرب” التي استخدمت لبث الدعاية السياسية لنظامه إلى المنطقة بأسرها مترافقة مع أغنيات أم كلثوم.

من القصص التي يرويها الكتاب كيف التقى الجاسوس روزفلت وضابط وكالة الإستخبارات الأميركية الآخر مايلز كوبلاند بعبد الناصر في بيته من أجل تخفيف حدة التوتر مع إسرائيل، وبينما هما في طور الحديث مع مضيفهما، جاء خبر زيارة السفير البريطاني في القاهرة للزعيم، وهنا إضطر الرجلان للصعود إلى الطابق العلوي ومازح كوبلاند شريكه روزفلت بالقول: “سيكون من الممتع أن نرى ردة فعل السفير البريطاني ونحن نقاطع جمال عبد الناصر لنقول له أن المرطبات في الأعلى قد نفدت”.

ومن بين ما يذكره بار في كتابه أن اللمسات الأخيرة للانقلاب الأميركي البريطاني على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق وضعت في فندق سان جورج على الساحل الغربي للعاصمة اللبنانية بيروت، كذلك هوية من شاركوا في الانقلاب وكيف جرى التدبير له وما سبقه من مفاوضات حول الاتفاقية الإيرانية البريطانية حول حصص النفط، وقول أحد رؤساء شركة النفط الإيرانية البريطانية لدى سؤاله عما يمكن التنازل عنه للإيرانيين: “إذا ما أعطيتم الإيرانيين شبرا فهم سيأخذون ميلا”.

تأسيس إسرائيل

في الفصول الأولى يعود بار إلى مرحلة التأسيس لإسرائيل وتأثير الانتخابات الداخلية في أميركا على القرار النهائي بشأن دعم قيام دولة لليهود. في هذا الإطار ينقل الكاتب نوعا من التردد البريطاني للمضي قدما بوعد بلفور كما هو، وهو أمر عززه تقرير أمني وصل إلى الوزير البريطاني المقيم ريتشارد كايسي حول قيام جماعة الهاغانا اليهودية بالتصالح مع العصابات الأخرى تمهيدا لتأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية.

هذا الأمر دفع بكايسي لتحذير لندن في العام ١٩٤٣ من أن المنطقة مقدمة على صراع عنيف لم تشهده من قبل بمجرد أن تنتهي الحرب العالمية أو ربما بعد ذلك بأشهر قليلة.

سعى كايسي لتوحيد الجهود الأميركية البريطانية للخروج ببيان موحد يؤكد رفض تبني خطة ديفيد بن غوريون لدولة أمر واقع، وهو أمر كاد أن يحصل لولا تلكؤ رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرتشل، ووزير خارجيته، أنتوني إيدن، اللذين لم يرغبا بذلك.

وبعد أن أقنع الوزير البريطاني المقيم تشرشل وإيدن بضرورة إصدار بيان مشترك جرى الاتفاق مع الأميركيين على ذلك وجرى تحديد يوم ٢٧ تموز/ يوليو لذلك، لكن حماس مسؤولي البلدين خفت لحظة الإعلان المقرر، وضاعت جهود كايسي التي امتدت ستة أشهر سدى.

مصدر الصورة
Bettmann

Image caption

كانت الولايات المتحدة تحاول أن تسد الفراغ الذي تركته بريطانيا في الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الثانية

تداخل أحداث المنطقة

وكما كان الملك فاروق متيقنا في البداية أن حكمه سيأتي إلى نهايته في لحظة ما قريبة، فإن بريطانيا بدت بدورها متحسبة لإنتهاء الدور، مما أجج صراعها مع الولايات المتحدة ودفع مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط “وندل ولكي للقول “إن الزمن الاستعماري أصبح من الماضي”.

في تلك المرحلة بدت بريطانيا بحسب الكتاب كمن يصارع القدر لا سيما مع الترابط الذي بدا جليا بين تأميم مصدق في إيران للنفط في العام ١٩٥١ وطلبه خروج الموظفين البريطانيين من ميناء عابدان الإيراني، وبين تحرك البرلمان المصري لتعديل إتفاقية ١٩٣٦، حيث عبّر تشرشل عن الوضع بالقول إن أزمة السويس هي “لقيطة الحالة الإيرانية”.

في فصل تحت عنوان “التخلص من عبد الناصر” يوصّف بار حالة الحنق التي وصل إليها رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن إلى حد طلبه من الوزير أنتوني نوتينغ بصيغة واضحة اغتيال عبد الناصر لا مجرد عزله أو محاصرته.

الاندبندنت: أرملة عبد الناصر تؤكد في مذكراتها أنه لم يكن ديكتاتوراً بلا رحمة

ويشرح الكاتب أهمية قناة السويس بالنسبة لبريطانيا حيث ينقل عن إيدن قوله عنها في العام ١٩٢٩ “إنها حلقة وصل في الدفاع عن الإمبراطورية وبوابتها الخلفية”، ولذلك فإن خسارتها ستكون كارثة بالنسبة للبريطانيين، وهو ما كان بالنسبة لعبد الناصر هدفاً.

لكن عبد الناصر لم يكن خصما للبريطانيين فقط، بل للكثيرين من جيرانه العرب، يروي الكتاب كيف نصح رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد نظيره البريطاني إيدن خلال زيارة إلى ١٠ دواننغ ستريت في لندن بضرب عبد الناصر. قال السعيد: “إضربه، إضربه بقوة الآن وإلا سيفوت الأوان، وعندما يصبح وحيدا سيجهز علينا جميعا”.

لكن نوري السعيد لن يطيل المكوث إذ أن ضابطاً في الجيش العراقي هو عبد الكريم قاسم سيطيح به وبالنظام الملكي في انقلاب عسكري في 14 يوليو/تموز ١٩٥٨. وبحسب بار فإن هذا الإنقلاب شكل أيضا ضربة أخرى للندن بعد تأميم قناة السويس قبل عامين.

مصدر الصورة
Ronald Startup

Image caption

التقى عبد الناصر بضباط المخابرات المركزية الأمريكية في منزله

يستعرض الكتاب أيضا محاولة إنقلاب سعودية فاشلة في سوريا ضد عبد الناصر، كانت واشنطن قد حذرت الرياض من مخاطرها. يروي بار في فصل بعنوان “عام الثورات” كيف أن وزير داخلية الجمهورية العربية المتحدة عبد الحميد السرّاج كشف لعبد الناصر تلقيه مليوني جنيه إسترليني مقابل تنفيذه انقلابا على الوحدة المصرية السورية، مع وعد بدفع مليونين إضافيين في حال إغتيال عبد الناصر.

وفي واشنطن كان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية يتحدث بأسف عن تحذيره للسعوديين، خاصة وأن المحاولة شكلت ضربة لواشنطن التي تأثرت بشكل سلبي بحكم علاقتها مع الرياض، وهو الأمر الذي أدى لاحقا إلى تقدم ولي العهد، الأمير فيصل، لتولي أمور البلاد.

يختم الكاتب في هذا الإطار: “بحلول ١٩٥٩، كانت وظيفة (الملك) سعود تقتصر على توزيع المساعدات، وتوقيع أوراق الإعدام، وبعض الأوراق الرسمية الأخرى”.

اترك تعليقاً