ختان الإناث: مَن المسؤول عن استمرار هذه الممارسة في مصر؟

رئدات ريفيات تتولين التوعية بمخاطر الختان

Image caption

رئدات ريفيات تتولين التوعية بمخاطر الختان

في قرية مصرية تقع على ضفاف نهر النيل، كانت سيدة بصحبة بناتها الثلاث قادمة من وحدة الرعاية الصحية القريبة من منزلها حيث استمعت لمحاضرة توعية ضد عادة ختان الإناث المنتشرة في البلاد.

لم تكن السيدة، أم عبد الله، تنوي حضور هذه الجلسة، لكنها كانت في انتظار موعد الطبيب فالتقت إحدى “الرائدات المحليات” اللائي خُوِّلت لهن مهمة التوعية ضد العادات الصحية السيئة في الريف.

لكن أم عبد الله لم تكن مقتنعة تماما بما سمعته.

وقالت لبي بي سي”لم أطاهر الفتيات، لكني في انتظار بلوغهن سن العاشرة. أنا على اقتناع بأن هذه العملية ضرورية، سألجأ للطبيب لإجراء الجراحة باستخدام أشعة الليزر، إذا لم تخضع الفتيات للختان ستصبحن مثل الرجال”.

و”الطهارة” هو المصطلح الذي يستخدم في الريف المصري للدلالة على عملية الختان التي يتم خلالها استئصال جزء من الأعضاء التناسلية للفتيات.

Image caption

اليونيسيف: 100 مليون فتاة تعرضت للختان في مصر وإثيوبيا وإندونيسيا خلال 2016

تغليظ العقوبة

ويجرّم القانون المصري ختان الإناث ويتوعّد مرتكبيها بالسجن من خمس إلى سبع سنوات.

وتبنت الحكومة المصرية برامج للتوعية ضد مخاطر ختان الفتيات منذ أكثر من عشرين عاما، لكن إحصاء منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) الصادر عام 2016 يشير إلى أن عدد مَن تعرض للختان في العالم يقارب مائتي مليون امرأة، وتستأثر مصر إلى جانب إندونيسيا وإثيوبيا بنصف هذا العدد.

Image caption

القانون المصري يجرم الختان بالسجن من 5 إلى 7سنوات

وتشير الدراسة إلى أن 87 % من المصريات اللائي تتراوح أعمارهن بين الخامسة عشرة إلى التاسعة والأربعين خضعن لهذه الممارسة.

لكن يُعتقد أن هذه العادة شهدت انحساراً خاصة في المناطق الحضرية بسبب التوعية المكثفة، وبحسب ذات الإحصاء فإن نسبة الفتيات دون الرابعة عشرة اللائي خضعن لهذه الجراحة تقل إلى 14%.

وقالت سيدات التقتهن بي بي سي في إحدى القرى شمال مصر إنهنّ لن يلجأن إلى هذه الممارسة مع بناتهن.

وقالت سيدة “يخشى البعض من انحراف الفتاة لكن التربية وليس الختان هو الأمر الحاسم”.

وأضافت أخرى “لقد سمعنا عن الكثير من الفتيات اللائي تعرضن لمشكلات كبيرة بسبب هذه الممارسة وبعضهن لقين حتفهن”.

واستدركت “لا للختان!”.

و”لا للختان” هو الشعار الذي نشرته حملات التوعية الحكومية التي شاركت فيها الكثير من منظمات المجتمع المدني في مصر للتوعية ضد مضار هذه العادة.

وإلى جانب الدعاية في التلفزيون، لجأت السلطات الصحية في مصر للاعتماد على سيدات قرويات أكثر وعيا، يُكلَّفن من قِبَل الحكومة للقيام بدور يُعرف بالرائدة الريفية، للحديث بشكل مباشر مع العائلات والرد على الاستفسارات بشأن الموضوعات التي تعتبرها العائلات حساسة ولا يمكن مناقشتها علنا.

جلسة القرفصاء

قالت ماجدة، وهي رائدة ريفية من بين المكلّفات بالتوعية، لبي بي سي “لقد اختفت القابِلة تماما من القرية، كانت هذه المرأة تجمع فتيات القرية في يوم واحد وتجرى عملية الختان بصورة جماعية وسط مظاهر احتفالية”.

Image caption

حلقات توعية صحية بمخاطر الختان فى الريف المصري

وأردفت “كان الاستصال يتم بموس واحد لعشرات الفتيات ويستخدم رماد الأفران لكفّ النزيف، وقد خضعت لهذه التجربة المؤلمة وتعرضت لمتاعب بعد الزواج وخلال الإنجاب، ولهذا اضطلعت بمسؤولية توعية سيدات القرية ضد هذه الممارسات”.

وأوضحت “أنا أكثر قدرة على توصيل الرسالة من التلفزيون، فأنا أحدث كل امرأة باللغة التي تفهمها ومعظمهن من أقربائي وجيراني”.

وأضافت: “دُرِّبنا على أن ننصح الأمهات بأن يفحصن بناتهن بأنفسهنّ أثناء جلوسهن القرفصاء، ثم يلجأن للطبيب إن رأين حاجة لتهذيب”.

ثقة

خلال جولة لبي بي سي في شوارع القرية، قالت معظم السيدات إنهن يثقن في حكم الطبيب.

وقالت أمّ تبدو في الخمسينيات من العمر: “في الماضي كانت الطهارة تتم بموس الحلاقة أما الآن فالأطباء يتولون هذا الموضوع بنظافة”.

وقالت أخرى: “ابنتي ما تزال صغيرة وسوف يقرر الطبيب مدى حاجتها للطهارة”.

وحاولت بي بي سي مواجهة الطبيب، لكن السيدات رفضن الإفصاح عن هويته. وقالت فتاة صغيرة “احذري أن تذكري اسم الطبيب يا أمي!”.

Image caption

اليونيسيف: 87 % من المصريات بين 15 إلى 49 عاما تعرضن للختان

وبحسب دراسة لليونسيف صدرت عام 2013 فإن 77 % من الفتيات اللائي خضعن لهذه الجراحة على أيدي أشخاص يعملون في الحقل الطبي.

وتترصّد نقابة الأطباء المصريين من يثبت ممارستهم جراحات من هذا النوع بقائمة عقوبات تصل إلى الشطب من جداولها، لكن فاطمة خفاجي، عضو رابطة المرأة العربية، تخشى من ظاهرة “تطبيب جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات”، على حد وصفها.

وأردفت: “يمارس بعض الأطباء هذه العملية إما لأسباب دينية أو مادية أو لتنفيذ رغبة ولي أمر الفتاة وبعضهم يخشى رفض إجراء الجراحة مخافة عزوف العائلات عنهم خاصة في المناطق الفقيرة”.

وقالت لبي بي سي: “لا توجد آليات واقعية لتعزيز دور الأطباء في مضمار مكافحة عادة الختان، ورغم تغليظ العقوبات في القانون إلا أنه لا يوجد أحد يراقب تنفيذه فالأهل يذهبون للأطباء بمحض إرادتهم”.

وأردفت: “الأمر حتى الآن متروك لضمير الطبيب والتزامه بقسم أبقراط الذي يتعهد فيه بعدم تشويه أي جزء من الإنسان”.

“اتهام مرفوض”

لكن أسامة عبد الحي، رئيس لجنة التأديب بنقابة الأطباء، يرفض تحميل الأطباء وحدهم مسؤولية عدم القضاء على هذه العادة.

وقال: “نقابة الأطباء تتخذ موقفا واضحا ضد ختان الإناث، وأي شكوى في هذا الصدد نحقق فيها بجدية”.

وردا على سؤال حول سيدات القرية اللائي أقررن بإجراء الختان لدى طبيب، قال عبد الحي لبي بي سي “لقد أفضى التحقيق مع أحد الأطباء قبل أكثر من عام إلى شطبه من جداول المهنة وهي العقوبة القصوى، نحن لا نتسامح مع هذه الأمور”.

وتابع: “لم تصلنا شكاوى بعد هذه الواقعة، ونقابة الأطباء مستعدة لتحمل مسؤولياتها كجزء من المجتمع”.

وأضاف: “هذه مشكلة اجتماعية وثقافية، هذه العادة المتجذرة منذ أمد طويل فتتحمل مسؤوليتها أجهزة التوعية والسلطات الدينية والإعلام، ولا بد من إخضاعها للدراسة من جانب علماء الاجتماع وليست مجرد إجراء طبي”.

اترك تعليقاً