عملية تركية جديدة فى شمال العراق إستعراض للقوة.

متابعة /أيمن بحر
اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني أطلقت تركيا هجوماً برياً وجوياً ضد حزب العمال الكردستانى شمال العراق فى خطوة تؤدى الى تصعيد التوتر بين أنقرة وبغداد. وقد إحتجت بغداد لإنتهاك أنقرة سيادتها. عمليات عسكرية تركية بالشمال العراقى وتزعم تركيا أنها تحارب حزب العمال الكردستانى الذى تصنفه بإرهابى. وتعتمد تركيا على قوات البشمركة الموالية لمسعود برزانى. خبراء المان ـ رسالة أردوغان الخفية فى إشعال جبهة شمال العراق. بعد سوريا وليبيا فتحت تركيا جبهة ثالثة بشمال العراق. لعبة الكر والفر بين الأتراك وحزب العمال الكردستانى باتت مشهداً معتاداً بالمنطقة غير أن توقيت وحجم الهجوم دفع مراقبين المان للتدقيق فى النوايا غير المعلنة لأردوغان. شريط الفيديو أسفله نشرته وزارة الدفاع التركية. ويظهر طائرة تركية مُسيرة فوق منطقة جبلية فى شمال العراق. فى بداية المشهد تتعقب الكاميرا رجلاً يجرى فى منحدر جبل يُشتبه أنه من حزب العمال الكردستانى يبدو أنه فارمحاولاً الإختباء بين الأشجار. بعد ثوان أصابه صاروخ، قبل أن ترتفع سحابة من الغبار فى السماء.. لينتهى كل شئ. مشهد تسعى من خلاله الدعاية التركية الى إعطاء العالم الدليل أن حربها فى شمال العراق نظيفة وإنتقائية تستهدف الإرهابيين دون سواهم. الفيديو لا يقدم أى دليل عن هوية الرجل المقتول فى حرب فتاكة لا تريد أن تنتهى من الناحية العسكرية المحضة أظهر الشريط تحولاً نوعياً فى هذه الحرب، حيث باتت الطائرة المسيرة أداة تفوق تركى كاسح دون أن يعنى ذلك أن أردوغان يمكن أن يحسمها دون أفق سياسى لحل الصراع. وبهذا الصدد كتبت إنغاروغ الصحفية والخبيرة الألمانية فى الشئون التركية بصحيفة نويه تسوريخ تسايتونغ الصادرة فى زوريخ يوم (21 يونيو/ حزيران 2020) أن حرب (أردوغان) النظيفة ضد الإرهابيين وَهمٌ كبير (..) الخسائر بين المدنيين سترتفع إذا إستمرت العمليات العسكريةوهو ما أظهرته فعلا عدة أشرطة فيديو منتشرة فى مواقع التواصل الإجتماعى رغم أن أنقرة أكدت فى بيان أنها لم ولن تلحق الأذى بالمدنيين
طائراتنا تسحق كهوف الإرهابيين بهذه التغريدة أعلنت وزارة الدفاع التركية بدأ عملية مخلب النمر بشن ضربات جوية (ليلة الأحد 14 الى الإثنين 15 يونيو/ حزيران 2020) على قواعد المتمردين الأكراد فى شمال العراق فى حملة غير مسبوقة من حيث ضراوتها إستهدفت 81 موقعاً لحزب العمال الكردستانى ما مهد الطريق لشن هجوم برى أوسع. يوم (الجمعة 26 من نفس الشهر) نفذ الجيش التركى بالفعل إنزالاً على قمة جبل خامتير قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك شمال العراق. وأقام نقاطاً عسكرية ما مكنه من الإشراف على عدد من القرى. ويتزامن هذا الهجوم مع فترة دقيقة تواجه فيها المنطقة موجة ثانية من جائحة كورونا بعدما نجحت سلطات إقليم كردستان فى احتواء الموجة الأولى، برفض قيود صارمة على الحياة العامة بإغلاق المساجد وحظر حركة المرور بين المحافظات.
توقيت وحجم هجوم الجيش التركى فاجأ المراقبين خصوصاً وأن تركيا منشغلة بالجبهتين السورية والليبية كما أوضح ذلك توماس أفيرانيوس وموريتس باومشتيغر فى صحيفة زوددويتشه تسايتونغ (17 يونيو/ حزيران 2020). بررت أنقرة الهجوم رسمياً كرد فعل على هجمات شنها أو خطط لها عناصر حزب العمال الكردستانى. ماريون سيندكلر مراسلة شبكة أ.إر. دى الألمانية فى إسطنبول كتبت مقالاً يوم (20 يونيو/ حزيران 2020) حول خلفيات الهجوم التركى وإعتمدت فيه على تحليلات كريستيان براكيل من مؤسسة هاينريش بول الألمانية فى إسطنبول الذى أكد أن هناك إعتبارات أخرى قد تقف وراء خطوة أنقرة. وأشار الى مباحثات السلام بين القوى الكردية المختلفة كأكراد سوريا والمجلس الوطنى الكردى وهو إئتلاف سياسى يضم نحو 15 حزباً، والإتحاد الديمقراطى الكردى والتى ترعاها الولايات المتحدة وفرنسا، بمشاركة إقليم كردستان العراق. وهى مبادرة تنظر لها أنقرة بعين الريبة حسب براكيل. وبهذا المعنى قد تكون رسالة أردوغان أن القضية الكردية لا يمكن البث فيها بإقصاء تركيا.وإذا تمكن الأكراد فعلاً من التوافق بينهم دون توظيفهم من قبل مصالح خارجية متناقضة فسيكون ذلك إنجازاً حقاً. لكن التاريخ ظلمهم أكثر من مرة وخانهم الحلفاء فى أكثر من مناسبة. قدرهم أن يكونوا أكبر قومية فى العالم دون دولة أو كيان سياسى معترف به عالميا. فمنطقة كردستان الكبرى موزعة بين شمال شرق العراق وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا وإيران. كما توجد أقليات كردية أخرى فى لبنان وأذربيجان وأرمينيا. وبالتالى فإن ما يقع فى شمال العراق يمس الشرق الأوسط بكامله ولكن أيضاً أوروبا والمانيا بالتحديد حيث تعيش جالية كردية ضخمة. إستشهد موقع موركور.دى الألمانى يوم (26 يونيو/ حزيران 2020) بمسح عام أجراه مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية. مسح أكد مقتل حوالى 5000 شخص فى هذا النزاع منذ إنتهاء وقف إطلاق النار قبل خمس سنوات، منهم 1200 من قوات الأمن التركية وحوالى 3000 من عناصر حزب العمال الكردستانى إضافة الى 500 من الضحايا المدنيين. وحسب نفس المركز أدى إستخدام أنقرة المتزايد لأسطولها من الطائرات القتالية المسيرة الى تحول جوهرى فى المعركة لصالح الجيش التركى حيث تضاعفت خسائر حزب العمال خمس مرات فى نفس الفترة مقارنة بخسائر الأتراك. كما أن ثلاثة أرباع العمليات العسكرية فى شمال العراق باتت عمليات جوية بحتة فوق سماء الإقليم. ولأن حزب العمال الكردستانى لم يعد قادراً على التحرك بحرية داخل تركيا فهو بدأ يهاجم إنطلاقاً من عمق معقله فى شمال العراق، فيما الجيش التركى يستعمل تفوقه الجوى لضرب هذا العمق. الجيش التركى إستعمل نفس الطائرات فى قصف محافظة إدلب فى شمال غرب سوريا وكذلك فى دعم حكومة الوفاق الليبية ضد ميليشيات الجنرال حفتر. وتُمكن الطائرات الموجهة عن بعد تركيا من التحرك فى الأجواء العراقية دون خوف من فقدان جنود. ويدخل تصنيع هذه الطائرات أيضاً فى سياق مساعى تركيا لأن تصبح من بين أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة فى العالم بحلول عام 2023 الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.
الهجوم التركي فى شمال العراق يحدث فى نفس المنطقة ذاتها التى يقطنها الإيزيديون الذين تعرضوا لبطش تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلامياً بـداعش ما دفع الناشطة الحقوقية الإيزيدية دوزان تيكال فى عدد من الحوارات مع وسائل الإعلام الألمانية الى دعوة برلين لإدانة أنقرة بأشد العبارات. وناشدت عبر إذاعة دويتشلاند فونك الألمانية يوم (20 يونيو/ حزيران 2020) الحكومة الألمانية الى ممارسة أقصى الضغوط الديبلوماسية على تركيا لوقف هجماتها ضد الأكراد. ويذكر أن تيكال أسست منظمة هاوار هيلب المدافعة عن حقوق الإيزيديين ومقرها فى برلين. وبهذا الصدد أوضحت الناشطة أن الإيزيديين يجدون أنفسهم مرة أخرى ككرة تتلاعب بها المصالح الجيوسياسية بين تركيا وروسيا وإيران. وتفاوتت تعليقات الصحف الألمانية بين من إكتفى بسرد الخبر وبين من ندد بالتدخل التركى. رونيا عثمان كتبت فى صحيفة تاغستسا يتنوغ يوم (16 يونيو/ حزيران 2020) مرة أخرى تقصف أنقرة المناطق الكردية خارج تركيا ولها فى ذلك شيك على بياض. فلم يكن هناك من يعارضها لا فى بغداد ولا فى أوروبا كما هى العادة دائماً وإستطردت عثمان موضحةً أن تركيا تتحدث عن حزب العمال الكردستانى كمرادف عندها لجميع الأكراد. العراق دعا رسمياً فى بيان باهت للرئاسة يوم (الجمعة 26 يونيو/ حزيران 2020) تركيا لوقف الإنتهاكات التى تطال سيادته بل وإستدعت السفير التركى فى بغداد مرتين فى ظرف ثلاثة أيام. لكن ذلك لم يحرك ساكناً فى أنقرة بل وهناك من ذهب لحد الترويج لوجود تنسيق بين أنقرة وبغداد خصوصاً بعد ما روجت له بعض الصحف بشأن زيارة سرية يقال إن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان قام بها للعراق قبل أيام. لكن هذه الأنباء لم يتم تأكيدها من أى مصدر رسمي. دوزان تيكال أكدت بغضب أنه لأمر مروع ومؤلم للغاية أن تشن تركيا ضرباتها الجوية وهى عضو في حلف شمال الأطلسى (..) يجب أن ندرك أننا نتحدث عن أقلية دينية لا تزال مصابة بصدمة إبادتها الجماعية فى تعليق فى صحيفة تاغسش بيغل الصادرة فى برلين يوم (20 يونيو/ حزيران 2020) كتبت سوزانا غوستن فى الواقع لا تهتم تركيا كثيراً بمصالح الحلفاء الآخرين (فى الناتو). فى الشرق الأوسط تقوم بإثارة دول المنطقة ضدها وسبب ذلك يعود لكون أنقرة أعطت لنفسها دور القوة الإقليمية المستقلة. حتى الآن، ليس لدى الناتو ولا الإتحاد الأوروبى وصفة للتعامل مع فهم تركيا الجديد لذاتها ودورها وخلصت غوست الى أن على الغرب أن يتخلى عن الفكرة التى ترسخت لديه خلال الحرب الباردة والتى ترى فى تركيا جبهة متقدماً للناتو فى الشرق الأوسط وعلى الحدود مع روسيا وآسيا الوسطى.
يقدر الخبراء عناصر حزب العمال الكردستانى بحوالى عشرة آلاف مقاتل مقابل 300 الف جندي تركى. وُيصنًف الحزب كتنظيم إرهابى من قبل تركيا والإتحاد الأوروبى (منذ عام 2002) والولايات المتحدة والمانيا. ولا تصنفه الأمم المتحدة كذلك، كما أن دولاً أخرى مثل الصين وروسيا والهند ومصر لا تعتبره أيضاً منظمة إرهابية. وسبق للإستخبارات الألمانية الداخلية (هيئة حماية الدستور) أن وصفت حزب العمال الكردستانى بأنه أكبر منظمة أجنبية متطرفة فى البلاد حيث يقدر أنصاره فى المانيا بحوالى 14 الف شخص. حزب العمال الكردستاني يسارى التوجه يواجه الدولة التركية منذ عام 1984 فى حرب أودت بحياة ما لا يقل عن أربعين الف شخص. أنا صوفى شنايدر ذَكًرت فى تحليل لـشبيغل أونلاين (25 يونو/ حزيران 2020) بالعمليات الإرهابية المنسوبة للحزب من بينها إنفجار سيارتين فى إسطنبول عام 2016 الذى أودى بحياة 46 شخصاً فى حى بزيكتاس. عمليات تفسر القبول الشعبى فى تركيا الذى تلقاه عمليات الجيش فى شمال لعراق. ويدعو عدد من الأكراد وشخصيات متعاطفة مع القضية الكردية الى إزالة حزب العمال الكردستانى من قوائم التنظيمات الإرهابية فى أوروبا لكن بإشتراط تخليه عن العنف والإرهاب كأداة لتحقيق أهدافه السياسية. بإعتبار أن ذلك قد يشجع على فتح باب مفاوضات السلام مع تركيا. ويستدلون فى ذلك بتجربة جنوب إفريقيا وكيف إعترف العالم بـ حزب المؤتمر الإفريقى بعدما كان نيلسون مانديلا يعتبر خلال عقود زعيماً إرهابياً. عرض أقلتمت المشاهدة بواسطة ٢أعجبنيتعليق

اترك تعليقاً