إلى المحللين العرب: ماذا تقولون الآن عن إيران وإسرائيل؟

بقلم المهندس رسول العذاري
كم من “محلل سياسي” عربي صعد على شاشات الفضائيات خلال السنوات الماضية، وتحدث بثقة مدهشة عن “العلاقة الممتازة سرًّا” بين إيران وإسرائيل!
قالوا إن كل ما نراه من عداء بينهما مجرد تمثيلية، وأن الهدف هو خداع الشعوب، وأن إسرائيل لا تضرب إيران لأنها متحالفة معها، بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك حين قال إن إيران متفقة مع إسرائيل وأمريكا على تقاسم النفوذ والسيطرة على المنطقة!
كنت أستمع لتلك التحليلات وأتساءل:
هل هي سذاجة؟ أم استغفال للناس؟ أم محاولة يائسة لتبرير كراهية طائفية عبر “نظرية المؤامرة”؟
الواقع اليوم: من يفرض كلمته. ها نحن اليوم أمام مشهد واضح لا لبس فيه:
إسرائيل تضرب إيران مباشرة، وفي عمق أراضيها.
تغتال علماءها في قلب طهران.
تهاجم سفاراتها ومواقعها العسكرية، وتواجهها حتى في البحر والسماء.
وتفرض على العالم أجندتها تجاه إيران بشكل لا تجرؤ عليه حتى واشنطن
وأين هي “اللعبة المشتركة” التي كنتم تتحدثون عنها؟
لماذا لم نرَ أي أثر لهذا التنسيق السري المزعوم؟ بل نرى العكس: صراع متصاعد، وتحشيد عسكري، ونزيف سياسي واقتصادي للطرفين.
فلنكن واقعيين.
إسرائيل اليوم تفرض أجندتها على كثير من العواصم، وتُشعل الحروب أو تُطفئها وفق مصالحها.
تجرّ وراءها أمريكا، وتؤثر على القرار الأوروبي، وتبتز حتى الدول العربية التي هرولت للتطبيع.
أما إيران، فهي رغم حضورها الإقليمي ونفوذها، ما زالت تحت الحصار، تواجه أزمات اقتصادية خانقة، وتُستنزف في جبهات متعددة، ولا تملك تفوقًا استراتيجيًا على إسرائيل.
المشكلة ليست في الخطأ التحليلي فقط، بل في الإصرار على تصوير كل شيء كخدعة كبرى، كأن شعوب المنطقة مجرد بيادق لا تعرف ما يجري.
لا بأس من الشك المشروع، لكن لا يجوز أن يُصبح التحليل السياسي مزيجًا من الأوهام والتحريض والتضليل، لمجرد خدمة سردية أيديولوجية أو طائفية.
فلنرتقِ بمستوى التحليل
الواقع السياسي معقد، نعم. لكنّه ليس لغزًا دائمًا.
والمطلوب اليوم من المثقفين والمحللين هو النزاهة والواقعية والتوازن، لا مطاردة الأشباح وترديد الخرافات.
كفى جلدًا للوعي، وكفى تشويهًا للحقائق من أجل تسجيل النقاط الأيديولوجية.
فمن كان بالأمس يُروّج لخرافة “التحالف الإيراني الإسرائيلي السري”… عليه اليوم أن يصمت قليلًا، أو يراجع نفسه على الأقل.