الإسرائيليون نسيج غير متجانس
التصدعات الداخلية التي كشفتها الصواريخ الإيرانية

بقلم: المهندس رسول العذاري
رغم ما يُسوّق عن إسرائيل كدولة ديمقراطية حديثة، متقدمة، موحّدة الصفوف في وجه “الخطر الخارجي”، فإن الحقيقة على الأرض مختلفة تمامًا. فالمجتمع الإسرائيلي لا يُشبه “النسيج الواحد” كما تدّعي دعاية الدولة، بل هو أقرب إلى فسيفساء متنافرة من الأعراق، والثقافات، والانتماءات الدينية، بل وحتى من مستويات المواطنة والحقوق.
يتكوّن هذا المجتمع من تركيبات متشابكة:
يهود أشكناز (أوروبيون): هم النخبة التي أسّست الدولة، ولا تزال تمسك بمفاصل السلطة والمال.
يهود مزراحيم وسفارديم (من أصول شرقية وعربية): تعرضوا للتمييز لعقود، ويسكن كثير منهم في ضواحي فقيرة.
يهود إثيوبيون (الفلاشا): يعانون من تمييز عنصري ممنهج، وتمييز في فرص التعليم والعمل.
اليهود الروس: ثقافتهم علمانية، والكثير منهم لا يُعترف بيهوديته دينيًا.
الحريديم (اليهود المتشددون): يرفضون التجنيد ويعيشون في عزلة، لكنهم يسيطرون على موارد مالية هائلة من الدعم الحكومي.
الصهيونية الدينية والمستوطنون: قوة سياسية وعسكرية متنامية.
فلسطينيو الداخل (عرب 48): مواطنون من الدرجة الثانية، يعانون من التهميش والتمييز القانوني والاجتماعي.
الدروز والمسيحيون العرب: أقليات تعاني من تقلب في علاقتها مع الدولة رغم مشاركتها أحيانًا في مؤسساتها.
هذه التناقضات ليست نظرية فقط، بل كشفتها الأحداث الأخيرة بشكل فاضح، خصوصًا أثناء الضربات الإيرانية على تل أبيب ومحيطها، والتي وُصفت بأنها الأعنف منذ عقود.
في واحدة من المشاهد المؤلمة والمعبرة، لجأ بعض سكان المباني التي لا تحوي ملاجئ إلى الاحتماء في مبانٍ مجاورة تحتوي على غرف أمان، ولكنهم جُوبهوا برفض عنيف من السكان الآخرين، الذين أغلقوا الأبواب ورفضوا استقبال “الضيوف غير المرغوب فيهم”. اندلعت مشادات كلامية، بل وتشابك بالأيدي في بعض الأحياء، وسط مشهد يكشف مدى هشاشة ما يُسمى بـ”التكافل الإسرائيلي”.
هذا المثال، البسيط في ظاهره، يعكس حقيقة أعمق:
لا يوجد شعور جمعي موحد داخل إسرائيل.
لا يوجد “مصير واحد”.
هناك فوارق طبقية، وعنصرية، وطائفية، وامتيازات مبنية على الخلفية العرقية والدينية والموقع السياسي.
بل وأكثر من ذلك، فإن بعض الأحياء الفقيرة التي يقطنها المزراحيم أو الإثيوبيون تفتقر إلى ملاجئ أصلًا، بينما تنعم أحياء النخبة في تل أبيب أو هرتسيليا بمنشآت محصنة ومجهزة.
في ظل هذه التصدعات، يجب على المثقفين العرب، والمحللين السياسيين، وصنّاع القرار ألا ينخدعوا بصورة “الجيش الموحد” أو “الشعب الصامد” التي تروّجها إسرائيل للعالم.
بدلاً من ذلك، من الضروري:
التركيز على التناقضات الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل.
إبراز هذه الفجوات في الإعلام العربي والدولي.
استثمارها لفهم ضعف البنية الاجتماعية للدولة، والتي قد تنهار من الداخل أكثر مما تُهدد من الخارج.
إنّ أي قراءة دقيقة للصراع في فلسطين، يجب أن تتعامل مع إسرائيل ليس فقط كعدو خارجي، بل ككيان يعيش تفككًا داخليًا تدريجيًا قد يكون هو مصدر ضعفه الأكبر في المدى البعيد