الاستعمار الالكتروني.. والتبعية الاعلامية بحث ودراسة
بقلم/ إنعام عطيوي
إن أي مُستعمَرة على الخارطة الجغرافية تكون ضمن التبعية للدول المستعمِرة سواء في القرارات او الأحكام او اي شيء يتعلق بمواردها البشرية والطبيعية وخيرات بلادها وما جاء الاستعمار يوما بمنفعة لمستعمراته، وكانت كلمة المستعمر سابقاُ لا تتعدى المفهوم العسكري لكن اليوم في عصرنا هذا فقط بات من الممكن التحول من الاستعمار العسكري إلى الاستعمار الالكتروني، وتحويل بلدان معينة إلى التبعية الإعلامية وتخضع للاستعمار الإعلامي بفضل الوسائل الالكترونية التي وفرت المجال لتحقيق نظام التبعية الإعلامية لبعض البلدان لتكون تابعة إعلاميا لبلدان أخرى، وتحويل أسواقها ومستهلكيها للإنتاج الصناعي الغربي من تكنلوجيا إعلامية وممارسات مهنية إعلامية ومواد وبرامج إعلانية وتكريس الاعتماد على برامج الإعلام للدول المتقدمة، وكل هذا ساعد من خلق التبعية الإعلامية للدول الغربية وإيجاد بيئة لإنعاش الاستعمار الالكتروني، هدفه السعي من اجل التأثير على العقول والاتجاهات والرغبات والمعتقدات وأنماط الحياة وكثرة الاستهلاك في الدول النامية وبالأخص نظرية الاستهلاك، فكما هو معروف ان الدول كلما ركنت الى مصافي الشعوب المستهلكة كلما قل اقتصادها وزاد إمكانية السيطرة عليها من خلال ضخ اكبر كميات من المواد الاستهلاكية من الدول المنتجة لنخر اقتصادها وجعلها حاضنة للشركات متعددة الجنسيات، التي تعتبر النافذة الأهم لامتصاص خيرات اي بلد وقناة مهمة للعبث باقتصاد الشعوب وهذا ما توصل اليه فعلا الدكتور فهمي العدوي في كتابه ادارة الاعلام. في حين يرى الدكتور عاهد المشاقبة في كتابه الابعاد السياسية للتدفق الاعلامي بين الشمال والجنوب ان تكنلوجيا الاتصال الحديث تشكل احد المظاهر الرئيسية للهيمنة الاتصالية على مستوى الدول وهذه الهيمنة تتم على اكثر من مستوى منها (مستوى بعض المؤسسات الاعلامية التكنولوجيا ذات الامكانات الاقتصادية والتكنولوجيا الضخمة مما يجعلها تتحكم في نسبة كبيرة من الانتاج الثقافي والاعلامي، والمستوى الثاني هو المستوى الدولي حيث تتم هذه الهيمنة من الدول ذات الامكانيات التكنولوجيا الاتصالية الاقوى والاكثر انتشار على دول الجنوب الفقيرة اقتصاديا واعلاميا ً) هذا واعتبر علماء الاجتماع ان القنوات الاخبارية الدولية ليست مجرد وسائل اخبارية بل هي دليل على الاتجاه نحو عالم بلا حدود فتحولت المؤسسات الوطنية الى مشروعات لشركات متعددة الجنسيات وتدفق للتجارة بحرية حتى حولت اوربا الى سوق يستخدم عملة موحدة، والاكثر من ذلك سببت هذه التكنولوجيا تراجع مفهوم القومية حيث فقدت العديد من الدول السيطرة على الحدود المفروضة على المعلومات بسبب قنوات الاتصال عبر الشبكات الالكترونية، والدور الذي تلعبه الشركات المتعددة الجنسيات على ثقافات العالم الثالث يرى الكاتب ( روبرت تشيلر) في كتابه المتلاعبون بالعقول ان الجوهر الحقيقي لهذه الشركات يكمن في كونها حاملات للمعلومات ونواقل للمعرفة وهذا هو الذي يهدد الامن الاعلامي والثقافي لهوية شعوب العالم الثالث ويؤثر عليه، ويكمن تهديد هذه الشركات نتيجة سيطرتها على الانتاج الاعلامي والذي يشكل الاساس العلمي للعملية الإعلامية، من خلال السيطرة على منتج المادة الاعلامية او الاتصالية فمن خلال النظر الى مصدر المادة الاتصالية او منتجها الأصلي فهناك نحو عشرين الف شركة عابرة ومتعددة الجنسيات تسيطر على نحو ثمانين الف شركة تابعة لها، وتتركز هذه الشركات في الولايات المتحدة الامريكية والمانيا وفرنسا وسويسرا واليابان وبرطانيا، والاخطر ان اغلبية هذه الدول تسيطر على وكالات الانباء العالمية، اضافة الى سيطرة هذه الشركات على محتوى المنتج الاعلامي المنقول والمحمول الى الاسواق في دول العالم الثالث ومعظم هذا الانتاج هو استهلاكي، اما المنتج الثقافي فيتضمن اتجاهين اولهما اتجاه القيم وأنماط السلوك ويكون هذا البعد واسع النطاق من الثقافة التجارية فيتضمن اساليب الحياة والتعامل وطرق استهلاك منتجات لا تلبي رغبات وثقافات وعادات دول العالم الثالث، والأتجاه الثاني هو التنظيم والاستهلاك وهو يقوم على رفع الاحساس والرغبة بالشراء والاستهلاك حتى وان كانت سلع او افكار او منتجات لا تتلائم مع البيئة لدول العالم الثالث ويتم ذلك من خلال العلاقات العامة والتسويق والاعلانات الباهضة الثمن، ومن هنا ياتي دور الجمهور المتلقي للرسائل الاعلامية الالكترونية او المنتج الاعلامي الالكتروني وهذا هو مربط الفرس حيث تعمل الشركات الاجنبية على نقل قيم وانماط سلوك تابعة لمنظومتهم الفكرية والاعلامية والثقافية الى هذا الجمهور بكل شرائحه وهنا يتعزز دور الاقناع للاعلام الالكتروني من خلال التعامل مع المنتج الاعلامي الالكتروني على ارض الواقع حينها يكون سهولة الاندماج بهذا المنتج سواء كان على شكل معلومات او افكار او منتجات استهلاكية او انماط سلوكية مغايرة لعادات وثقافات دول العالم الثالث. وان خطورة هذا الاعلام الالكتروني تكمن في تاثيره على النشاء، وهذا يتطابق مع المقولة التي اطلقها عالم الاتصال (مارشال مكلوهان) الذي اعتبر ان العالم اصبح الان قرية كونية وما رسخ هذا التاثير في عقول النشأ هو نتيجة تبني القنوات الفضائية ومحطات الاذاعة والتلفزيون وخاصة الترفيهية من هذه المنتجات الاعلامية فبات تكرارها على الجمهور يؤدي الى ان ترتكز في عقول المشاهدين، وهذا بحد ذاته يؤدي الى تحطيم القيم الثقافية لعادات الامم والشعوب في دول العالم الثالث، وهذا فعلا ما توجب الانتباه له والتفريق بينه وبين الحوار الثقافي، فعملية غرز لمفاهيم وعادات الدول الاوربية والولايات المتحدة الامريكيا وطمس عادات وثقافات شعوب العالم الثالث باسم التطور الحضاري ومواكبة الاعلام الالكتروني يفرق تماما عن الحوار الثقافي والحضاري وحوار الشعوب الاعلامي الالكتروني وهذا هو الاساس في خطورة الاعلام الالكتروني على دول العالم الثالث.