“الهامش” …الرواية الأولى للقاص والصحفي الأردني
عن منشورات “ضفاف” في بيروت و”الاختلاف” في الجزائر صدرت مؤخراً الرواية الأولى للقاص والصحفي الأردني خالد سامح، وحملت عنوان “الهامش”، ويتصدرها هذا الإهداء:
إلى كل العابرين؛
أولئك الذين يمرون في حياتنا متبرعين بسرد حكاياهم، ثم يختفون سادرين في غيابٍ أبدي.
الرواية ذات المئة وثلاث وثمانون صفحة من القطع الوسط تدور مساحتها الزمنية وأحداثها بين العامي 2003 و2006 ، ويبدأ مسار أحداثها تحديدا بعد سقوط بغداد لترصد تداعيات ذلك الحدث وماتبعه من فوضى وعنف وتحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية لم تشمل العراق لوحده بل المنطقة برمتها، الا أن الكاتب يركز هنا على تداعيات الحدث وانعكاسات تلك المرحلة التاريخية القاسية على الساحة الأردنية ومدينة عمّان التي شهدت وقتها لجوء عشرات الآلاف من العراقيين إليها هربا من تفجر موجة عنف غير مسبوقة وتسلل آلاف الارهابيين لبلدهم المنكوب، هؤلاء اللاجئون كان لكل منهم حكاية وشهدوا أهوالاً فيها الكثير من التفاصيل التي يعجز حتى الخيال عن تصورها، لذا فقد باتت تجربة كل منهم رواية بحد ذاتها.
يتداخل الخاص مع العام في الرواية، ومن خلال علاقة جمعت بين شخصيتي الرواية الأساسيتين الصحفي والمترجم الأردني حازم والمترجمة العراقية لهيب الفارة من جحيم الارهاب نكتشف وجوهاً أخرى للأحداث، ودور الحروب والمآسي الكبرى في تحديد مصائرنا الشخصية ورسم مستقبلنا ومنح حياتنا “أبعادا درامية جديدة” كما يرد على لسان بطل الرواية حازم، فلهيب عملت مترجمة في وزارة الخارجية العراقية زمن حكم البعث وبعد دخول المحتلين عملت مترجمة معهم أيضاً، الا أنها وبسبب تهديدات “المقاومة العراقية” لها واستغناء الأمريكيين عن خدماتها وبعد اختطافها من متطرفين وتعرضها للاغتصاب تقرر الهروب الى عمّان وتقديم طلب لجوء لمكتب المفوضية العليا للاجئين في عمّان، الا أن حياتها تسير بصورة مختلفة تماما عمّا كانت تخطط له بعد تعرفها على ملياردير عراقي يقيم في عمان وزواجها منه لفترة قصيرة، ثم تلتقي بحازم ليساعدها في افتتاح جاليري للفن التشكيلي في عمّان يعيد لها مكانتها الاجتماعية ، وتصبح بالنسبة للصحفي المثقف نافذة على الكثير من الحقائق الصاعقة وأسرار المدينة والمجتمع.
والكاتب هنا لا يستعيد الوقائع بقصد التوثيق والتسجيل بقدر ما يهدف الى إعادة استكشافها ورصد أسراراها وخباياها بضمير المتكلم (الراوي العليم)، مستعيناً بأساليب سردية غير تقليدية كتقطيع الزمن واستعادة الصور والمشاهد ( الفلاش باك) وكذلك الحوار الداخلي ( المونولوج)، ومن أجوائه في الرواية:
هل يمكن لي أن ألملمكِ بعد ذلك وأكتبكِ؟ ألاحق كل تفاصيلك في الذاكرة، بدءا بعينيك عميقتي الأسرار ترويان الكثير مما سيغفل عن ذكره المؤرخون أو يسقطونه عمداً، وليس انتهاءً بحلمتكِ التي مرَّ عليها تاريخنا وترك دمغته عليها، مخفيةً هناك، وراء إرتفافة قمصانك الحريرية، وعطرك الجريء، وعقود الذهب والألماس، وكل ما أثثت به حياتك الجديدة وأستعنت به على قهر ذاكرتك وكبح سعارها.
ها أنا أعود لأحاول اعتياد تشابه الأيام وبلادتها من دونكِ، وأطبق على صورتكِ وحكاياكِ في الذاكرة بإحكام.. هناك في مقام خاص بالغرباء العابرين، أولئك الذين يتبرعون بأسرارهم ويقدمونها فضاءً غير نهائي لخيالاتنا وتساؤلاتنا وبحثنا في المغازي والمعاني والمآلات وجنون الأزمنة.
ومن أجواء السرد الأخرى في الرواية:
(دخلت حكاية لهيب، بعد ذلك، في أكثر فصولها مأساويةً وبشاعة؛ تحولت إلى ما يشبه تراجيديا أسطورية من زمن الإغريق: الفتاة البريئة التي خالفت أوامر الآلهة وسارت مع الأشرار لأنهم كانوا ملاذها الإجباري، لم تتفهمها الآلهة أو تشفق عليها، أطلقت في طريقها وحوشاً ضارية وأرواحاً منتقمة من كل حدب وصوب، فتمنت لو مسختها إلى ضفدعة تتقافز على حواف دجلة المفروشة بالقاذورات، أو أنها حولتها إلى نخلة جافة وسط الصحراء اللاهبة، أو جعلت منها غولة خرساء هائمة في الطرقات.. كل تلك العقوبات الأسطورية كانت بالنسبة لها أرحم بكثير من اللعنة التي حلت عليها.
أخبرها الأميركان باستغنائهم عن خدماتها، أخذوا موبايلها ومسحوا أرقامهم منه، ثم أعادوه. أخيراً أوصلوها إلى بيتها بعد أن منحوها آخر مستحقاتها المالية.)
والكاتب خالد سامح حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الجامعة الأردنية، يعمل كصحفي في دائرة الثقافة والفنون بصحيفة “الدستور” الأردنية، وصدر له في القصة أربع مجموعات هي: “نافذة هروب”/2008 ، “نهايات مقترحة”/2011، “ويبقى سراً”/2016، “بين سطور المدينة”/2017 .
كتب خالد سامح في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، وشارك بالعديد من الملتقيات الأدبية والفنية والإعلامية عربياً وعالمياً، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين والأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب وكتاب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.