بقلم المستشار الدكتور : خالد السلامي
في العاشر من ديسمبر من كل عام، يتوقف العالم ليتأمل ويحتفل بحدث بالغ الأهمية – اليوم العالمي لحقوق الإنسان. هذا اليوم ليس مجرد تذكير بماضٍ بعيد، بل هو احتفاء برحلة مستمرة نحو تحقيق العدالة والمساواة لكل فرد على هذه الأرض. إنه يوم يجسد الأمل والنضال المستمر للإنسانية في سعيها لعالم أكثر إنصافًا.
في هذا اليوم، نحتفي بالذكرى السنوية لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وهي وثيقة مُلهِمة تُعد من أروع الإنجازات التي حققتها البشرية. كانت هذه الوثيقة بمثابة الشرارة التي أشعلت ثورة في حقوق الإنسان، مُعلنةً أن الحرية والكرامة والمساواة هي ليست امتيازات بل حقوق أساسية لكل إنسان.
لقد جاء هذا الإعلان في وقت كانت فيه العالم يلملم جراحه بعد الحرب العالمية الثانية، وقدم رؤية جريئة وطموحة لمستقبل يسوده السلام والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب. كان الإعلان بمثابة نداء للعمل، دعوة لكل دولة وكل فرد للمساهمة في بناء عالم تسوده العدالة وتحترم فيه الحقوق الأساسية لكل شخص.
منذ ذلك الحين، أصبح اليوم العالمي لحقوق الإنسان رمزاً للنضال المستمر ضد الظلم والتمييز في جميع أنحاء العالم. إنه يوم يتذكر فيه الناس الإنجازات التي تحققت، ويتأملون في التحديات التي لا تزال قائمة، ويجددون التزامهم بمبادئ الإعلان العالمي. إنه يوم لتأكيد إيماننا بأن الكرامة والقيمة لكل فرد هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه عالمنا.
عند الحديث عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لا بد من العودة بالزمن إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، حيث كان العالم يشهد تغيرات جذرية ومطالبات متزايدة بضرورة حماية الإنسان وكرامته. في ذلك الوقت، كانت الحاجة ماسة لإعادة تعريف وتأكيد القيم الإنسانية الأساسية، وهو ما قام به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تم اعتماد الإعلان في 10 ديسمبر 1948، وقد كان بمثابة إنجاز تاريخي، ليس فقط لما يحتويه من مبادئ وقيم، بل أيضًا لأنه جاء كنتيجة لتعاون دولي غير مسبوق. الإعلان، الذي شارك في صياغته ممثلون من مناطق مختلفة وثقافات متنوعة حول العالم، قدم رؤية شاملة للحقوق التي يجب أن تكون متاحة لكل إنسان بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
الأهمية التاريخية لهذا الإعلان لا تكمن فقط في كونه أول وثيقة تقر وتعلن حقوق الإنسان على مستوى عالمي، بل أيضًا في تأثيره العميق على القوانين والأنظمة الدولية. الإعلان أصبح المرجع الأساسي الذي تستند إليه جميع الوثائق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تلته. لقد أرست هذه الوثيقة المعايير التي يتم بموجبها قياس وتقييم سياسات الدول ومدى التزامها بحقوق مواطنيها.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر اليوم العالمي لحقوق الإنسان تذكيراً سنوياً بأن النضال من أجل الحقوق والحريات الأساسية لا يزال مستمرًا. هذا اليوم هو فرصة لتجديد الالتزام بالمبادئ التي تم تأسيسها في الإعلان، وتشجيع جيل جديد على الاستمرار في الدفاع عن هذه الحقوق في وجه التحديات المتجددة والمستمرة التي تواجه العالم.
في هذا السياق، يبرز دور المنظمات الدولية والمحلية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان. المنظمات مثل الأمم المتحدة، منظمة العفو الدولية، والصليب الأحمر تعمل على مواجهة التحديات وتوفير الحماية للأفراد في أشد الظروف قسوة.
العالم اليوم يواجه تحديات جديدة في مجال حقوق الإنسان، تشمل النزوح الجماعي، الفقر، وآثار تغير المناخ. هذه التحديات تتطلب استجابة جماعية وتعاون عالمي لضمان أن حقوق الإنسان تظل في صميم كل جهد تنموي.
في إطار جهودها المستمرة لترسيخ مكانتها كدولة رائدة في مجال حقوق الإنسان، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة اتخاذ خطوات جوهرية تعكس التزامها العميق بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أرجائها.
من خلال إصدار وتحديث سلسلة من التشريعات، تبرهن الإمارات على جدية نهجها في تحسين الحقوق والحريات الأساسية. هذه التشريعات تشمل تعزيز حقوق العمال، حماية النساء والأطفال من العنف، ورفع معايير العدالة في النظام القضائي.
تقف الإمارات في طليعة الدول العربية في مكافحة الاتجار بالبشر، وتُظهر حرصًا كبيرًا على تحسين ظروف العمالة الوافدة، مما يعكس التزامها بتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة لجميع العاملين على أراضيها.
تُولي الإمارات أهمية بالغة للتعليم والتوعية بحقوق الإنسان، حيث تعمل على إدماج موضوعات حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، ما يسهم في تنشئة جيل واعٍ وملتزم بالقيم الإنسانية.
في سياق التزامها الدولي، تشارك الإمارات بفعالية في المحافل الدولية لحقوق الإنسان، مؤكدة على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال.
تُعد الإمارات نموذجًا يحتذى به في تمكين المرأة والشباب، من خلال توفير فرص متساوية وتشجيع مشاركتهم الفاعلة في مختلف المجالات.
مع هذه الجهود المتواصلة، تثبت الإمارات بأنها لا تسعى فقط للريادة الاقتصادية والتكنولوجية، بل تعمل أيضًا على أن تكون نموذجًا يحتذى به في مجال حقوق الإنسان، مواجهةً التحديات بثبات وسعيًا لتحقيق تقدم مستدام في هذا المجال الحيوي.
في هذا اليوم العالمي لحقوق الإنسان، دعونا نتذكر أن كل فرد منا له دور يلعبه. من خلال التوعية، الدعم، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية، يمكننا جميعًا المساهمة في بناء عالم يحترم ويحمي حقوق الإنسان للجميع.