وعيٌ يَسِدُّ ثغرات التطرف… والعراق يكتب سلامه بالقوة الناعمة

بقلم / سمير السعد
على أرض الرافدين، حيث تختلط حكايات النخل بدروس التاريخ، وتنهض المدن من غبار الحروب أكثر صلابةً وإيماناً ، تمضي مستشارية الامن القومي بخطى الوعي الإداري والنضج المؤسسي، لتقود عبر اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الأرهاب مساراً جديداً عنوانه الوقاية لا المواجهة، والتحصين لا ردة الفعل. استراتيجيةٌ وطنية تتجاوز الشعارات، لتدخل عمق المجتمع، مستندهً إلى روح التعايش السلمي، ومؤمنةً بأن مكافحة التطرف ليست بندقيةً فقط، بل فكرةٌ سامية وثقافةٌ ناضجة وإنسانٌ محصّن بالوعي.
في قلب هذه الاستراتيجية، يقف فريق القوة الناعمة كقوةٍ ثقافية واجتماعية، يخطط ويُنفّذ مبادرات تمتد من كانون الأول الحالي حتى نيسان 2026، تتنقّل بين الوزارات والمحافظات، وتطرق أبواب المجتمع بكل طيفه، ولا سيما في محافظات العودة التي عادت للحياة بعد سنوات حالكة فرضتها جماعات التكفير. محافظات حملت ندوب الفكر المتطرف الذي زرعه داعش في ذروة الحرب، وعكست ظلاله القاتمة على التعايش، لكنها اليوم تتحوّل إلى مساحات صالحة لزراعة أفكارٍ نيّرة، مدروسة بعناية، تستهدف مئات بل مئات الشباب، لتجعلهم موجةً مضادةً لخطاب العنف، ورسلاً للوحدة الوطنية.
ورشٌ حوارية، ومراجعاتٌ فكرية، تناقش الأهداف الأربعة التي وضعها فريق القوة الناعمة، وتعيد النظر في الرؤى بما ينسجم مع حاجة المجتمع لبيئةٍ آمنة ومستقرة. الفن، الرياضة، الأدب، والإعلام… لم تعُد مجرّد تفاصيل ثقافية، بل باتت خطوط الدفاع الأولى تُعيد تشكيل العقل الجمعي، وتحصّن الهوية، وتدحض الخطاب المتطرف المتفشّي في وسائل التواصل الاجتماعي. مبادراتٌ رياضية وفنية وأدبية وكشفية، تُنفّذ تشاركياً في كل محافظات العراق، لتبني جيلاً جديداً يرفض الانحراف، ويؤمن أن العراق واحدٌ موحدٌ أرضاً وشعباً ، دون تمييزٍ أو تطرفٍ أو إقصاء.
وفي ختام هذه الرحلة الوطنية، ستُقام فعالياتٌ تقييمية توجُّ بتوقيع مؤتمرٍ ختامي، لا ليُصفّق الحاضرون فحسب، بل ليُقاس الأثرُ الوطني الحقيقي، ولتُراجع النتائجُ بميزان المسؤولية، وتُعلن الحصيلةُ بصوتٍ يليقُ بعراقة هذا الوطن. صوتٌ سيؤكّدُ أن حصانة المجتمع أقوى حين تُبنى من الداخل، وأن قيادة الشباب نحو الاعتدال هي ضمانة المستقبل.
إن هذا الحراك الوطني، يُحسبُ لفريقٍ لم يؤمن بالحواجز بل بإسقاطها، ولم يستهدف فئة دون أخرى، بل جمع كل الطوائف والأديان على بساط الوطن الواحد، انطلاقاً من رأس الهرم في مستشارية الأمن القومي، مروراً برئاسة اللجنة الوطنية، بنفسٍ وطني خالص، يتنفس وحدة العراق، ويؤمن بأنها الخيار الوحيد المتاح مهما تلوّنت المِحن وتغيّرت الظروف.
سلامٌ يُكتبُ اليوم بأسماء الشباب، ووعيٌ يضيءُ دروب المحافظات التي عانت من العتمة التكفيرية، ولحمةٌ وطنية لا تُجزأ مهما حاول المتطرفون شقَّ صفِّها. إن ما تقوم به اللجنة الوطنية، ليس مشروعَ شهرٍ ولا برنامجَ موسم، بل بناءُ ضميرٍ وطني، وصناعةُ قادةٍ من الشباب يؤمنون أن العراق بيتُ الجميع، وخيمةُ التعدد، وجسرُ التعايش السلمي الذي لا بديل عنه. عملٌ إداريٌّ ناضج، وفكرٌ وقائيٌّ واعٍ، وروحُ انتماءٍ تعانقُ العراق كلُّه، لتقول: “هنا يولَد السلام… وهنا تستقيمُ الفكرةُ قبل الطريق”. العراق واحد، وإذا توحدَ الخطابُ صَعُبَ على التطرفِ أن يجدَ موطئَ قدمٍ أو كلمةٍ تتنفّسُ بيننا.
روحٌ وطنية واحدة… سلامٌ واحد… عراقٌ للجميع..



