الإنسان و‏تغيرات الزمن

بقلم م : فتحي جبر عفانة

يظل الإنسان حائرا بين الوقت ومتغيرات الحياة حيث يُعتبر الوقت أهم ما في حياة الإنسان، حتى إنّه أثمن وأغلى من المال، ولعظم الوقت وأهميته فقد أقسم الله سبحانه وتعالى به في كتابه الكريم في مواضع عدة منها قال تعالى: (وَالْعَصْرِإِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍإِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

ويتضح ان الوقت أغلى وأثمن ما في هذه الدنيا، فقيمة الوقت لا تُقدر بمالٍ أو ثروة، لسببين الأول: أنّ الوقت سريع الانقضاء، والثاني: أنّ ما مضى من الوقت لا يمكن إرجاعه. وقد كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يكره إضاعة الوقت، والبطالة، والتعطل، فيقول: (إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً – فارغاً- لا في عمل دنيا ولا عمل آخرة). قال يحيى بن هبيرة أستاذ الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: الوقتُ أنفَسُ ما عُنِيت بحفظِه وأراه أسهَل ما عليكَ يضيعُ.

والعديد من الناس تري أنّ استغلال الوقت يعني العمل المتواصل ، ولا وقت للراحة أو الترفيه والتسلية ، والبعض منهم يرى أنّ استغلال الوقت وتنظيمه شيءٌ لا قيمة له؛ ذلك أنّهم لا يُقيمون للوقت أهميةً تُذكر، وهذه المفاهيم المنتشرة بين الناس في عالمنا العربي جعلت مجتمعاتنا أقل إنتاجية وأقل عطاءً. وهناك من أدرك أهمية الوقت وألزم نفسه العناية به وملئهِ بالعمل المفيد حتى يقلل من الفراغ الذي لا يدخل في دائرة التنظيم ، فالفراغ داعٍ إلى الفساد، ومفتاح للشرور ، والنفس البشرية إن لم يُشغلها الإنسان بالطاعة ، والعمل المفيد شغلته بالمعصية.

وهنا نتذكر قصة وعبرة حين قام الممثل الشهير ( أرنولد شوارزينجر ) بنشر صورة له وهو نائم في الشارع تحت تمثاله الشهير المصنوع من البرونز، وكتب بحزن “كيف تغيرت الأوقات!”.
سبب كتابته للجملة ليس فقط لإنه كبر في السن، لكن لأنه عندما كان حاكم ولاية كاليفورنيا قام بإفتتاح الفندق الذي يوجد التمثال ‏أمامه حيث قال له المسؤولون عن الفندق (وقتها ): ” في أي وقت يمكنك المجئ ولك غرفة محجوزة بإسمك مدي الحياة ..” وعندما ترك أرنولد الحكم وذهب للفندق، الإدارة رفضت إعطائه الغرفة بحجة أن الفندق محجوز بالكامل ! فأحضر غطاء .. ونام تحت التمثال .. وطلب من الناس أن تصوره ..
‏أرنولد أراد ان يبعث رسالة هامة .. أنه عندما كان في السلطة وله منصب .. كان الجميع يجاملونه وينافقوه .. ولما فقد هذا المنصب نسوه ولم يوفوا بوعدهم له .. ‏نعم .. الأوقات تتغير .. فلا تثق بمنصبك .. ولا بمالك .. ولا بقوتك.. ولا بذكائك .. فكل ذلك لن يدوم .. ولن يبقى منه سوى ذكرى.. وأعمالك الحسنة التي فعلتها في الحياة .