السوشيال ميديا تعيد التاريخ

بقلم د/ شيرين العدوي

عفوا فالسوشيال ميديا تعود بنا للخلف. ترددت داخلي هذه المقولة وأنا أتابع عن كثب المهاترات التي تحدث عبر السوشيال ميديا من بث السموم والأمراض؛ وقد أخذني الحنين لتتبع نشأة الراديو فأحسست أننا نعود للوراء.
بدأت مصر الإذاعة في سنة 1925 بعد ظهور أول إذاعة في العالم بخمس سنوات. امتلك بعض الهواة تلك الإذاعات الأهلية، واعتمدواعلى الإعلانات التجارية في تمويلها. وقد استخدموها كما يحلو لهم دون هدف واضح فملئت بالغث كرسائل الغرام وغيرها، وأحيانا بالإعلانات عن بضائعهم ومن أمثال هذه الإذاعات: راديو فاروق، وفؤاد، وفوزية، وسابو، وفيولا. وفي سنة 1926صدر المرسوم الملكي باستخراج تراخيص للأجهزة اللاسلكية طبقا للاتفاقيات الدولية.
حاولت الحكومة المصرية وقتها تنظيم الإذاعات الأهلية والسيطرة عليها؛ ولكنها ما كانت تهدأ إلا لتعود للعبث. ضعيفة الإرسال، لا تغطي سوى الحي الذي تذيع منه، ومعظمها تبث إرسالها من غرفة أو شقة صغيرة. تستقبل يوميا ثلاثين أوأربعين خطابا. تتلقى رغبات المستمعين عبرهاتف لا يكف عن الرنين ملحقا بالإذاعة في الغرفة المجاورة لجهاز اللاسيلكي. كان الإرسال بلا هدف سوى تسلية الناس والإعلان عن أنفسهم. وتلبية رغبات المستمعين من سماع الأغاني وغيرها. استوقفني هذا التاريخ وتأملت مشهد السوشيال ميديا جيدا؛ فوجدت المشهد مطابقا عبر الفيديوهات التي بلا معنى ولا قيمة إلا بث الفرقة، وتوسيع الهوة الاجتماعية، وجني الأموال عبر الرسائل الموجهة وغير الموجهة لغسل الأدمغة والسيطرة عليها، بأحلام واهية كالشهرة والمجد والوصول لقمة الهرم الاجتماعي دون عمل حقيقي علي أرض الواقع وبناء المجتمع.أما الرسائل والطلبات فهي الليكات والكُمِنتات الآن. لما بدأ البث الحقيقي للإذاعة المصرية بعد الانفصال عن شركة ماكاروني وانتقال الإذاعة في سنة 1958 بقرار جمهوري رقم 183إلى إذاعة ذات هوية مصرية وإلحاقها برئاسة الجمهورية والمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي.
أصبحت للإذاعة شخصية وهوية وهدف. وبدأت الأفكار الحماسية تدفع بالفرد نحو تنمية الذات، وتكوين العقل الجمعي الذي يلتف حول صانع القرار.ولذلك كانت الأمة على قلب رجل واحد، كما كان صوت الأفراد يصل مباشرة للدولة ويُستجاب له. من هنا كانت صناعة رموز حقيقية متعلمة تصنع الوعي المكتسب عن طريق الفن الهادف حتى لو كان للتسلية، وشعرالمواطن بالمصداقية.
إن ضياع الإعلام وإعادته لنقطة الصفر سببا في دعاوي الهدم بعدما استعادت مصر مكانتها بين العالم، وبدأت خطوة الأمن وتعدتها لخطوة البناء. وليست من تكتب السطور ببعيدة عن الأزمة الاقتصادية التي نالت الصغير والكبير من الدول والأفراد في العالم ولكنها مازالت متمسكة بالحلم الذي شكلت وعيه الإذاعة المصرية الحقيقية،ولمست عن قرب معاناة أصدقاء من شعوب كالعراق وسوريا وليبيا.
ومازل صوت “سمر محمد” يتردد داخلي كلما قابلتها- وكانت ذات شأن في سوريا وهجِّرت مع أحداث سوريا لتستقبلها مصر بقلب كبير- تقول ” احذروا من فصيل يريد أن يرى مصر مدمرة كسوريا من أجل الحكم، احمدوا ربنا على نعمة الأمن، حتى لو أكلتوا عيش حاف ليت لنا متل رئيسكم “. ما ينقص مصر ليس تحسين دخل الفرد فقط؛ لكن إعلاما قويا رقميا بنفس منطق عصره يبني وعيا ويطرد الغربان الناعقة.