الطلاق.. حلال الله المكروه

المحامي طالب عباس العسكري

يعاني المجتمع العراقي من ظاهرة ازدياد حالات الطلاق في الآونة الأخيرة، منذ ما يقارب “الاثني عشر سنة الماضية” ولحد الآن، وقد كثرت المقالات والبحوث القانونية في هذا المضمار من أجل الحد من انتشار هذه الآفة الخطيرة في المجتمع العراقي عموما، وفي ذي قار خصوصا.
ولا أجد شيئا قد أضر بالمجتمع العراقي وقذف به إلى مهاوٍ سحيقة إلا حالات الطلاق المتزايدة من قبل الشباب الذي كون نواة التفكك الأسري، الذي بدوره ولد سرطانا أسمه “التفكك الاجتماعي”، الذي ستنعكس آثاره الخطيرة في المستقبل وبشكل كبير لا يمكن تجاهله.
فقد كانت حالة الطلاق آنذاك تنطوي على العمل غير المحبب والمكروه؛ وذلك لأن مسؤولية الشاب في المحافظة على الحياة الزوجية في ذلك الوقت كانت أكبر وأحرص مما هي عليه الآن، وهذا مصدق لقول الإمام علي عليه السلام (لا تربوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)، يضاف إلى ذلك عمق الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة بأن الرجل إن طلق زوجته سيعم الكلام البذيء في حقهم لذلك كان كل من الزوجين وآبائهما حريصين على استمرار الرابطة الزوجية وبأي شكل من الأشكال رغم الظروف الصعبة التي يمر فيها الزوج أو الزوجة، أما اليوم فقد تطورت الأمور، وانعكس ضوء الشمس، وانكشف ظل الحائط، حتى أصبحت حالة الطلاق مجرد نزوة “موديل”، يتم تداوله في المحاكم من بعض الشباب الذي كان يرى الزواج كأحلام وردية أو قصة فلم سينمائي، وعندما تواجهه أول مسؤولية لا يتعامل معها بالتي هي أحسن فيجد نفسه غير قادر على حلها فيلجأ إلى الطلاق مباشرة لأنه وجده أفضل الحلول وأسرعها، وكأن مسألة الطلاق شيء جميل أو مجرد لعبة متى ما سئم منها تركها، متناسين، حديث الإمام الصادق عليه السلام عندما يقول: “ما من شيء أحله الله أبغض إليه من الطلاق”. وعندما نعرج إلى قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ، نجد أنه تطرق إلى موضوع الطلاق حيث عرفت المادة (34/ أولا) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188/لسنة 1959 وتعديلاته).
الطلاق: رفع قيد الزواج بإيقاع من الزوج أو من الزوجة إن وكلت به أو فوضت أو من القاضي.
وحسب سياق النص فالمشرع قد أعطى الرجل الحق في إيقاع الطلاق، وقد جاء فحوى النص بشكل أو بآخر يتلاءم مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي شرعته لكن في نفس الوقت كرهته، وهناك بعض المواد التي جعل فيها المشرع العراقي إيقاع الطلاق مقيدا، من حيث الشهود أو إيقاع الطلاق في صورة لا يؤخذ الزوج على إيقاعها؛ لأن المشرع جعل كراهية الطلاق الوارد ذكرها حسب النصوص الخاصة من السنة النبوية الشريفة، وسيلة لتقييد حالات الطلاق بشكل عقلائي وكانت التفاتة المشرع في هذا الأمر ذكية جدا.
ولا بد من أن نتطرق إلى عدة تساؤلات بهذا الصدد، محاولة منا تسليط الضوء عليها ومناقشتها، ووضع الحلول المناسبة لها، ومن هذه التساؤلات:
أولا: ما هي أسباب ازدياد حالات الطلاق؟
هناك عدة أسباب تقف وراء ازدياد حالات الطلاق، لكن ما يتداول فيها في المحاكم واعتباري محاميا وقد مرت علي الكثير من هذه الأسباب من خلال المرافعات، قد رأيت هذه الأسباب هي من أهم الأسباب في ازدياد حالات الطلاق ولعل من أهمها: وترجع أسباب ازدياد حالة الطلاق إلى عدة أمور من أهمها:
1- ضغط الأهالي على الزوج أو الزوجة بالزواج، وظهور مصطلح سخيف، ولم يرد فيه نص لا في الشريعة ولا في القانون، بل على العكس من ذلك أن القانون قد عاقب عليه ألا وهو “النهوة”، تلك العادة السيئة التي اعتادت عشائرنا عليها، وبالتالي يحصل الزواج دون رضا أحد الأطراف، الذي بدوره يولد الخلافات التي تؤدي إلى الطلاق.
2- الزواج في سن مبكر “زواج القاصر“، وبالتالي كل من الزوجين لم يكونا على قدر فهم المسؤولية الزوجية وتحملها، وأنها رابطة مقدسة وإلهية، وإنما متخذين الزواج نزوة، وعند زوالها تنشأ الخلافات الناجمة من عدم المسؤولية للزوج أو الزوجة.
3- الأزواج قد يعانون من أمراض نفسية، وتظهر هذه الأمور بعد الزواج وبالتالي يظهر ما يسمى مصطلح “الغش في الزواج”، أي عدم التعارف بشكل كبير في فترة الخطوبة لأسباب عديدة.
4- عدم التكافؤ الثقافي، وليس الثقافة، أي حسن المعاملة والأخلاق، وعيش الحياة الزوجية السليمة.
5- تحسن الحالة الزوجية، وهذا بدوره يشجع الرجل في البحث عن زوجة ثانية، ظنا منه أو اعتقاده أن الزوجة الأولى قد استهلكت “كالحاجة”، فيسعى بالبحث عمن تلبي رغباته.
6- إدمان الزوج على المشروبات، وعدم تلبية طلباته من قبل الزوجة يؤدي إلى الطلاق.
7- قد يطلب الزوج من زوجته ممارسة الجنس بطريقة محرمة أو مكروهة، وهذا ما تبثه القنوات المحرمة والمشفرة.
8- خيانة الزوجة ولها أسباب كثيرة، خيانة جسدية، أو خيانة الزوج بالكلام مع محرم.
9- قد تطلب الزوجة طلبات لا يستطيع الزوج تلبيتها، لأسباب عديدة، منها كونه لا يملك مصدر رزق “عاطل عن العمل”، أو أن دخله ﻻ يلبي طلبات الزوجة جميعها. انظر إلى نسب الطلاق في محافظة ذي قار فهذا ينذر بحالة خطيرة يجب وضع الحلول الناجعة والسريعة لها.
لذلك ارتأيت جمع تلك النسب المخيفة وبحثها بحثا علميا دقيقا، من أجل الوقوف على الحلول، فانظر مثلا:
بلغت نسبة حالات الطلاق في محافظة ذي قار منذ سنة 2003 إلى سنة 2014، حسب إحصائية “منظمة النخبة الثقافية”، وحسب المناطقية.
1: محكمة الأحوال الشخصية في الناصرية (485’82).
2: محكمة الأحوال الشخصية في الشطرة (002’4).
3: محكمة الأحوال الشخصية في سوق الشيوخ (95’2).
4: محكمة الأحوال الشخصية في الرفاعي (382’1).
5: محكمة الأحوال الشخصية في قلعة سكر (801).
6: محكمة الأحوال الشخصية في الجبايش (493).
7: محكمة الأحوال الشخصية في النصر (425).
8: محكمة الأحوال الشخصية في الفجر (401).
9: محكمة الأحوال الشخصية في الغراف (242).
10: محكمة الأحوال الشخصية في البطحاء (190).
11: محكمة الأحوال الشخصية في الإصلاح (165).
أي بمعدل (6.4)، حالة طلاق في اليوم الواحد، بمعدل حالة طلاق واحدة في كل أربع ساعات.
ثانيا: ما هي أضرار الطلاق العائلية؟
يضر الطلاق بالعائلة إضرارا كبيرا، لأنه يؤدي إلى ترهل العلاقة الأسرية بين الأب، والأم اللذان يعدان بدورهما مدرسة الحياة، فإذا نشأ الطفل بعيدا عن كنف أبيه أو أمه، سيكون بعيدا عن الرقابة من قبل والديه، فلا تجد من ينصحه على فعل الخير إلا الوالدين، ولا يمنعه من ترك المحرم أو الأشياء الضارة إلا الوالدين، وأنا لست بصدد نفي عدم وجود المخلصين، ولكن بصدد بيان ما يسببه الطلاق من ضرر على العائلة، ومن ثم يصبح الطفل بعيدا عن مراقبة الأبوين، ونظرة المجتمع في التعامل معه، بالقول “أمك مطلقة أو ابن المطلقة”، فيشرع بأمور غير أخلاقية، ومنها شرب الخمر، أو الانتماء إلى عصابات إرهابية مجرمة، وبالتالي تكون العائلة التي أنجبت طفلا يجب أن يحمل مستقبله ومستقبل بلده، تراه يصبح وحشا كاسرا، وعبئا على المجتمع، والذي صنع من الرجل الوحش هي ظاهرة الطلاق التي انعكست على ظاهرة التفكك الأسري، الذي بدوره انعكس على التفكك الاجتماعي.
ثالثا: ما هي أضرار الطلاق الاجتماعية؟؟
بعدما حصل التفكك الأسري الذي بدوره انعكس على التفكك الاجتماعي، الذي نشأ من بيئة عائلية منهارة، هذا بدوره ولد شخصا مجرما، عبئا على المجتمع، ولا فائدة ترجى منه.
فأساس الترابط بين نسيج العائلة، هو أساس الترابط الاجتماعي بالدرجة الأولى، ويمكن أن أسميها إن صح التعبير العلة الأولى لبيان العلل الاجتماعية؛ وذلك لأن الشعوب تبنى من بيئة عائلية، فإذا كانت تلك البيئة جيدة أصبح المجتمع جيدا أيضا، بمعنى أحدهما مكمل للآخر أي يرتبطان ارتباطا تعلقيا بالوطن.
ويتضح مما سبق أن حالة الطلاق، وإن كانت حلالا، لكنها من أبغض الحلال عند الله لحكمة يدركها بعلمه ذو الجلال والإكرام، إلا أن أضرارها تنذر بكارثة كبيرة على العائلة والمجتمع العراقي عموما، ويجب تفعيل دور الثقافة الزوجية وإشاعتها، وتوفير فرص عمل للمتزوجين، يضاف إلى ذلك هناك بعض الأمور التي تحد من عدم ازدياد هذه الظاهر، ومن أهمها أن يتشدد قضاة محاكم الأحوال الشخصية في العراق عموما في دعوى التفريق القضائي، يضاف إلى ذلك تفعيل دور البحث الاجتماعي وأن يعطى حيزا كبيرا في مجال إصلاح الزيجات، كما أن منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان يمكن أن تحد من ذلك بطريقة مباشرة ألا وهي التوعية الزوجية من خلال ورشات تقام لهذا الغرض، وربط هذه الظاهرة برجال الدين، وأصحاب المنابر للتوعية بخطورة هذه الظاهرة والتركيز على وضع الحلول الناجحة لها.