مقالات

رحيل “جامبو الجبار”… وغياب زمن الطفولة: من ساسوكي ونيلز إلى أغاني الغزل الموجَّهة للأطفال

بقلم: الدكتور بسام عبدالله الهذال

استيقظ محبو الرسوم المتحركة الكلاسيكية على خبر وفاة العملاق الكرتوني جامبو الجبار—أحد رموز طفولة جيلٍ كامل—فتداعت معه الذكريات، وانفتحت أبواب المقارنة بين طفولة الأمس ونشأة اليوم. وبينما تسترجع الأجيال مشاهد ساسوكي ونيلز وعدنان ولينا، تقف أمام واقع جديد يعيش فيه الأطفال بالقرب من عالم الكبار أكثر مما يقتربون من عالمهم الحقيقي.

طفولة الأمس… عالم بريء يصنع الخيال

في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، نشأ الأطفال على قصص أبطال مرّوا بتحديات، لكنهم ظلوا أقرب إلى البراءة والخيال.

ساسوكي قدّم نموذج الشجاعة والانضباط.

نيلز علّم معنى الصداقة والمغامرة.

عدنان ولينا حملا رسالة الأمل رغم الخراب.

كانت الرسوم تُبنى على قيم: الشجاعة، التعاون، الصداقة، حماية الضعيف، والرحمة… وكانت الطفولة آنذاك تُعامل كمرحلة يجب أن تُعاش لا أن تُختطف.

طفولة اليوم… بين نجوم الغناء ووسائل التواصل

اليوم تغيّر المشهد.
لم يعد الطفل ينتظر وقت عرض الكارتون، ولم يعد يعيش في خيال أبطاله الصغار. صار يعيش وسط محتوى يختلط فيه كل شيء:

أغاني غزل وحب لا تناسب سنه،

مؤثرون يقدمون نماذج “شبابية” مبكرة،

ومقاطع قصيرة سريعة تُوجّه اهتمامه نحو المظهر واللايكات.

حتى الشخصيات الفنية مثل المطرب عبد الرحمن الشامي أصبحت تُتابَع من قبل أطفال في سن صغيرة، رغم أن معظم الأغاني موجهة لشرائح عمرية أكبر، وبمضامين عاطفية تُسرّع نمو الطفل النفسي وتضعه أمام مشاعر لا تنتمي إلى عالمه.

من طفل… إلى “شابة في سن مبكرة”

المشكلة ليست في الفن ذاته، بل في تسويق محتوى الكبار للصغار، ما يؤدي إلى:

تسريع النمو العاطفي قبل أوانه،

إثارة الفضول الغريزي بشكل غير صحي،

خلق فجوة بين مشاعر الطفل وقدرته الإدراكية،

وتحويل الطفولة إلى مرحلة عبور سريعة نحو المراهقة.

أصبحت الطفلة التي يفترض أن تحمل دمية أو كتاباً تُقلّد المكياج والرقصات، وتتابع أغاني الغزل، وتبحث عن “إعجاب” المتابعين، فتخسر مرحلة كان يجب أن تكون مليئة باللعب والبساطة.

مسؤولية المجتمع: استعادة الطفولة

الحنين إلى جامبو وساسوكي ونيلز ليس مجرد استذكار لأسماء، بل استذكار لقيم.
ومهما تغير الزمن، يبقى المجتمع مسؤولاً عن حماية الطفولة من الانسلاخ المبكر عن ذاتها عبر:

مراقبة المحتوى،

توفير بدائل مناسبة،

دعم الإنتاج التربوي الهادف،

وتعزيز دور الأسرة في التوجيه والتوعية.

ختاماً

ربما رحل “جامبو الجبار” كقصة كرتونية، لكنه بقي رمزاً لطفولة صافية تعلّم الخيال قبل تقليد الكبار.
وفي زمنٍ تتقدّم فيه أغانٍ للغزل على برامج الأطفال، تصبح حماية براءة الصغار واجباً ملحّاً… لأن الزمن الجميل قد لا يعود، لكن يمكن الحفاظ على ما تبقى منه في قلوب الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى