عزيزي وزير التربية ، رسالة لك

بقلم باسمة عيسى سرحان

في يوم خريفي عاصف ، يذهب الأهل إلى المؤسسة التعليمية الفلانية التي أودعوا فيها ابنهم أو ابنتهم أو عدد من ابنائهم ، ليتلقوا التعليم المناسب بحسب اعمارهم ، يدخل الاب الميسور الحال باب المؤسسة ، يصطدم كتفه بكتف أب آخر، شاحب الوجه ، عاقد الحاجبين ، عابس العينين ، يبدو عليه الانزعاج ، يكمل مسيرته نحو الداخل ، ليلتقي بمدير المؤسسة التعليمية الذي بدوره يستقبله بإبتسامة عريضة جميلة يكاد ينشرح لها القلب ، و يقول أهلا و سهلا ، في الداخل بعد يتابع المسير ، ليصل إلى هدفه ، مكتب المحاسبة الذي من المفترض ان يدفع فيه الاقساط المدرسية ، ينتظر قليلا ، تقف امامه أم بجانب المحاسب و هو يسحب لها فواتير القسط كامل لتدفعه على مراحل ، تنظر الأم العابسة المنزعجة مشتتة الافكار الضائعة في بعض الاحيان ، و بين كفي يديها رزمة من الأوراق كناية عن فواتير القسط المدرسى لأبنائها ، تخرج من الباب و هي تفكر كيف ستسدد القسط ، يتابع الأب نحو الأخ المحاسب و يسأله عن اقساط ابنه البالغ من العمر 3 سنوات في صف الروضة الأولى ، فيبتسم له و يقول 4000 دولار سيدي الكريم ، يُخرج الأب المبلغ من جيبه و يدفعه نقدا ، يبتسم المحاسب مرة أخرى و يقول ، نحن لا نستلم مباشرة المبالغ و انما بإمكانك ايداعها في حسابنا الخاص بالمدرسة في البنك الفلاني.

نعم هي قصة المدارس الخاصة ، عليك ان تعمل طوال الصيف لتجمع مبلغ 4000 دولار كحد ادنى و تدفعها لإبنك في صف الروضة الأولى ، و إلا اذهب و ضعه في المدارس الحكومية و ما ادراك ما المدارس الحكومية ، علما ان الاقساط آخذه في الزيادة كلما تقدم ابنك سنة دراسية جديدة ، لعل اطفالنا يتعلمون تصنيع الذرة و النووي منذ نعومة اظافرهم ، و اياك ثم اياك ان تجادل و تسأل لماذا هذه الاقساط ؟؟؟

فلنذهب إلى الجامعة ، عشرة آلاف دولار فما فوق لكل ثلاثة اشهر ، في بعض التخصصات الطبيعة في الجامعات الخاصة ، مبلغ لا يقل عن 5000 دولار للتخصصات الادبية ، هل باتت الجامعات مكان تعليم أو آلة لسحب الأموال ، و حينما تسأل لماذا كل هذا ، يقولون لك انه لبنان يا عزيزي ، سنصل يوما ما إلى مرحلة البلد العجوز و سيصبح معدل نمو الشباب دون المقياس الطبيعي ، نظرا لقلة الانجاب ، خشية من الظروف المعيشة القاسية ، في ظل دول فاسدة حاميها حراميها في كثير من الأحيان.

كيف يدبر الاهالي المبالغ المفروضة في المدرسة ؟ احدهم يقترض من البنك و يقسط له على مدى سنتين أو اكثر، و قبل نهاية سداد القرض الاول تكون أوراق القرض الثاني في جيبه جاهزة للتقديم ، عائلة اخرى تقوم الام برهن ما تملكه من مجوهرات بسيطة مع القليل من الدموع هنا و هناك حتى تعطيها الجهة الفلانية سواء كانت مؤسسة لمنح القروض أو محل لبيع الذهب أو مصرف ، يعطوها مبلغا بسيطا يكفيها لسد طلبها من المال و احيانا لا يكفى لسداد نصف المبلغ المطلوب ، عوائل اخرى تسحب قروضا من مكان عملها و يستقطع مبلغ معين شهريا من راتبهم المفترض ، اخرون يستدينون من اقاربهم أواصدقائهم لتأمين المبلغ ، لقد اصبح تعليم ابنائنا واحدا من هموم حياتنا ، نماذج كثيرة من هنا و هناك تدفعنا للتساؤل … هل فكرنا يوما بأولئك الاطفال النازحين المشردين العالقين على الحدود في خيم خفيفة صغيرة ضيقة ، هل فكر اصحاب تلك المدارس و الجامعات ان قسط ولد واحد قد يكفي ليعيش اربع عائلات بأقل تقدير لو حاولوا المساعدة ، و لكن من نخاطب ؟؟؟

نُقبل على الموسم الدراسي الجديد و في جعبتنا تساؤلات اخرى نطرحها هذه المرة على وزير التربية و التعليم ، هذه التساؤلات قد تنسحب على احوال العديد من الدول لناحية غلاء الاقساط الدراسية بشكل عام و تدهور الاوضاع المعيشية ، لماذا لا تراقب و تحدد وزارة التربية الاقساط المدرسية و الجامعية للمؤسسات التعليمية ، أليست جميع المؤسسات تحت ظل الوزارة ، ام انهم يمتثلون لقراراتها فقط في الاجازات و الاعياد و العطل الموسمية و الرسمية ، ربما وصلنا فعلا إلى مرحلة (كل واحد فاتح ع حسابو) ، و أنت أيها التلميذ المجتهد الطموح المتفوق ، صاحب الترتيب الاول على مستوى المدرسة ، فلتذهب بأحلامك إلى الخارج لا مكان لك هنا.

اترك تعليقاً