أنا الغريق

باسمة عيسى سرحان / اعلامية و كاتبة صحفية

رفضتني اليابسة ، و لفظتني البحار ، ما ذنبي ان حلمت بألعاب و طائرة من ورق احلق بها في ربيع خيالي البريء ، ما ذنبي إن يُتمت مبكرا و فقدت أخي و أختي و ذاك الصغير الشقي جاري في الحي ، و ما ذنب اهلي الموجوعين المفجوعين بفقدان أحبة لهم ، هل ادفع ثمن عروبة لطخت بدماء الابرياء ، او ادفع ثمن جهلة حكموني ، غرتهم الحياة و عمت ابصارهم ، او ادفع ثمن طامع جشع بشع رسم أهدافه و قرر ان يحققها بأي وسيلة حتى و ان كنت أنا ، او ما يسمونني و قرنائي في الكتب أجيال المستقبل.
ها أنا اليوم وحيد فقيد مفقود في بحار طالما حلمت ان أركبها ركوب منتصر فارس فاتح للبلاد العربية ، انا الشهيد ، انا المنهك المتعب ملفت الانظار ، انا من تصدر صفحات الجرائد و المجلات ، و من كتب عني من احبني و احب النزول في الساحات ، انا الغريق ، انا ذاك الطفل الذي حلم بغد اجمل ، ركبت الامواج مع الكبار ، اعتقدت انني شجاع ، انني قادر على انقاذ ابي المنهك و امي الموجوعة ، حلمنا جميعا ببر آمن فيه الكثير من الهدوء و السكينة التي فقدناها في اوطاننا ، و لكن ، حتى البحار لفظتنا .
هي قصة اطفال حاولوا العبور مع ذويهم من الضفة الى الضفة عبر مركب صغير مثقوب في بعض الاحياء مليء بأشخاص غرباء عن بعضهم ، جمعتهم المصيبة ، و مع كل مساوئ هذا القارب او العبّارة او المركب ، يبقى اقل خوفاً و ألماً من الواقع الملغم و ضراوة الاحداث .
بدون جوازات سفر و محطات و حقائب و ضجيج و أموال و اشياء بسيطة قد تسكت جوع و لهفة هؤلاء الاطفال ، بدون ذكريات جميلة ، بدون شيء أي شيء ، أداروا ظهورهم و غادروا ، في وضح النهار او جهمة الليل ، المهم انهم قرروا ان يغادروا ، مرغمين او بإرادتهم النتيجة انهم وثقوا بالمجهول، و هل نشتري سمكا في البحر.
ان صورة الاطفال الغارقين في المحيطات نتيجة ما يعرف بالهجرة غير الشرعية او التهريب ما هي إلا تاريخ يكتب بأرواح الابرياء الهاربين من الظلم و القهر و الفقر و العوز و الطغيان ، و ما يُكتب عن أحلام هؤلاء الابرياء ينسحب على أحلام ذويهم و شبابهم الضائعين الهاربين قبلهم من الموت احياء.
ما ذنبهم جميعا ؟ …. ذنبهم انهم اوفياء.

اترك تعليقاً