مقالات

الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم..

بقلم / زينب فخري

 

تستذكر دول في الثاني من تشرين الثاني الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، ويتراوح هذا الاستذكار بين احتفالات فرح وإحياء الذكرى باحتجاجات ومظاهرات واضرابات ورفع رايات سود.

إذ سيحتفل الإسرائليون بهذه المناسبة احتفالاً واسعاً وأعدّ لهذه المناسبة نشاطات وفعاليات تنم عن الفرح والسعادة بهذا الوعد والامتنان لمحققه بلفور.

فيما يستعد الفلسطنيون والمتضامنون معهم لإقامة مظاهرات احتجاجية وندوات ونشاطات واعتصامات ورفع رايات سود تفضح السياسية البريطانية التي أعطت – وكما يُطلق المناصرون للقضية الفلسطينية عبارة- “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”.

وفي الوقت الذي يطالب الفلسطينيون بريطانيا بتقديم اعتذار للشعب الفلسطيني عن هذه الوثيقة وعمَّا حل به من نكبات وظلم، وتصحيح هذه الكارثة التاريخية ومعالجة نتائجها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتعويض العوائل المتضررة من احتلال أراضيهم، تفاجأ العالم بتصريح رئيسة وزراء بريطانيا قبل أيام حول الذكرى السنوية لوعد بلفور.
إذ صرحت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي: “سنتحتفل حتما بالذكرى المئوية لوعد بلفور بكل فخر”، في معرض ردّها على أسئلة النواب في مجلس العموم البريطاني، حيث أكدت “نفتخر لدورنا في تأسيس دولة إسرائيل”، ومن المتوقع أن يشارك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذه الاحتفالية التي ستقام في بريطانيا بدعوة من “ماي”، لحضور الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان وعد بلفور.

ولاقت كلمتا “فخر ونفتخر” ردود أفعال واسعة من المتضامنين مع الفلسطينين، وعدّ هذا التصريح بالوقح واللاأخلاقي معتبرين إيَّاه انحياز حقيقي لدولة الاحتلال العنصرية وتكمن خطورته في تشريعه للإحتلال الذي يستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني وتنصلاً بريطانيا من مسؤليتها ومن ما يترتب عليها من حقوق.

ولعلَّ من المناسب هنا أن نستذكر تاريخياً هذا الوعد المشؤوم ونقلب صفحات الكتب التاريخية التي تؤكد أنَّ “وعد بلفور” يمثل رسالة بعث بها وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور، في العام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، أعلن فيها عن دعم بريطانيا لإقامة دولة لليهود في فلسطين؛ وبذلك هو أوَّل خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين وحين صدر الوعد كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان.

وكتب بلفور في هذه الرسالة التي أرسلت قبل شهر من احتلال الجيش البريطاني فلسطين، أنَّه: “يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”، مشترطا “على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر. وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح”.

وفي العام 1920 عين السياسي البريطاني هيربرت صموئيل وهو من مؤسسي الحركة الصهيونية أوَّل مفوض سام بريطاني على فلسطين، وكان أوَّل قرار اتَّخذه هو الاعتراف باللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين.

بعد ذلك بعامين وضعت عصبة الأمم فلسطين تحت الانتداب البريطاني وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وزار بلفور فلسطين في العام 1925، حيث استقبله الصهاينة بالترحاب. وكتب المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف، في كتابه “أيام شقائق النعمان” (شقائق النعمان وصف للجنود البريطانيين إبان الانتداب)، أن بلفور غادر البلاد متجها بالقطار إلى دمشق، لكنه نزل منه قبل وصوله إلى دمشق لأسباب أمنية، حيث كانت جماهير غفيرة بانتظاره في محطة القطار في دمشق للاحتجاج والتظاهر ضدّ وعده المشئوم. وأضاف “توم سيغف” أنَّ آلاف المتظاهرين انتقلوا من محطة القطار إلى منطقة فندق فيكتوريا الذي نزل فيه بلفور، وتظاهروا هناك وألقوا الحجارة باتجاه الفندق.

وفي عام 1926 أعطى المفوض السامي البريطاني اليهود حقّ استخدام مياه نهري الأردن واليرموك لإنشاء محطة كهرباء وحرم المزارعين الفلسطينيين من استخدام المياه لري أراضيهم وهو ما اعدّ تسهيلاً لوضع أسس إنشاء كيان إسرائيلي.
وفي عام 1947 قالت بريطانيا إنَّها توافق على ما تقرره الأمم المتحدة بشأن قيام دولة لليهود في فلسطين وصوتت لصالح التقسيم، عقب ذلك بدأت العصابات الصهيونية حملات تطهير عرقي في فلسطين بطرد آلاف الفلسطينيين من قراهم وبيوتهم في ظل الوجود البريطاني.
وارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة دير ياسين عام 1948 في ظل وجود الانتداب البريطاني، وفي العام نفسه اغتالت العصابات الصهيونية مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة الكونت برنادوت أثناء زيارته القدس.

كما استكملت العصابات الصهيونية في العام نفسه عملية طرد الفلسطينيين في ظل الوجود البريطاني، مما أدى إلى صدور القرار 194 الذي دعا إلى عودة اللاجئين إلى أراضيهم وهو أمر لم يتحقق حتى اليوم.

ويبقى وعد بلفور وصة عار في جبين بريطانيا.. وعد سلب حقوق شعب مازال يطالب حتَّى اليوم بحقوقه أمام صمت عالمي مخزٍ يجيد الكيل بمكيالات عديدة على وفق منظور ورؤى المصالح..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى