مقالات

افرازات الحرب الإيرانية الإسرائيلية على الجمهور العربي


بقلم المهندس رسول العذاري

لقد كشفت الحرب الإيرانية الإسرائيلية عن انقسامات عميقة في الرأي العام العربي، وأظهرت واقعًا نفسيًا وسياسيًا مركبًا لم يعد بالإمكان تجاهله أو تغطيته بالشعارات التقليدية. فبعض الجماهير العربية وقفت مع إيران، تتابع أخبار صواريخها الباليستية التي تدك العمق الإسرائيلي بشغف وحماسة، وتراها قوة مقاومة تقف بوجه الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية، وتتمثل فيها رمزًا للتحدي ضد الهيمنة الغربية والعدو الصهيوني. في المقابل، هناك من يغتاظ من هذا المشهد، ويرى في إيران أصل كل الكوارث التي لحقت بالمنطقة، من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى لبنان وغزة، محملًا إياها مسؤولية تغذية الميليشيات، وتمزيق الدول، وتعميق الأزمات، ولذلك يتمنى هزيمتها بل وحتى سقوط نظامها السياسي. ولهذين الطرفين مبررات وأرضيات فكرية وسياسية لا يمكن إنكارها، حتى وإن اختلفنا معها أو اتفقنا.

لكن المثير للقلق هو بروز طرف ثالث يبدو أنه في اتساع، يرى أن كلاً من إيران وإسرائيل عدوان للأمة العربية والإسلامية، ولا يتورع في التعبير عن هذا العداء بلغة طائفية صريحة، تنضح بالكراهية وتنفث السموم في فضاء التواصل الاجتماعي. وقد تجلت هذه الطائفية بأبشع صورها خلال الأيام الماضية، حيث امتلأت المنصات الرقمية بكم هائل من الشتائم المتبادلة بين السنة والشيعة، وانكشفت مرة أخرى هشاشة الوحدة العربية والإسلامية، وعجزنا عن إدارة اختلافاتنا ضمن أطر مدنية وعقلانية.

ليس من الحكمة التستر على هذا الواقع، أو دفنه تحت شعارات الوحدة الزائفة، بل من الواجب أن نشير إليه بجرأة وموضوعية، فالوحدة لا تتحقق بإنكار الواقع، بل بتشخيصه بدقة. نعم، هناك طائفية مقيتة، وهناك تطرف في كلا الطائفتين، وهناك من يبني مواقفه ليس على أساس وطني أو إنساني، بل على نزعة مذهبية ضيقة تشطر العالم إلى “معسكرنا” و”معسكرهم”، دون أدنى اهتمام بالحقيقة أو مصلحة الأمة.

الحرب الإيرانية الإسرائيلية كشفت عن مدى تغلغل الطائفية في وعي الجمهور العربي، وأظهرت أن معارك الخارج لا تُخاض فقط على الجبهات، بل داخل النفوس أيضًا، في شكل انقسام فكري وهوياتي عميق. وإن لم نواجه هذا الواقع بشجاعة، ونعترف بأن مجتمعاتنا موبوءة بالفرقة والكراهية، فلن تكون الحرب على إسرائيل أو إيران، بل ستكون حربًا أهلية نائمة تنفجر في كل لحظة. الحل يبدأ بالوعي، وبفتح حوار صريح وجاد يعالج الجذور لا القشور، ويعيد صياغة الانتماء العربي والإسلامي على أسس عقلانية وأخلاقية، لا مذهبية وعصبوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى