إيران بين الواقع والخيال: قراءة هادئة في سيناريو «النهاية اليابانية أو اليوغسلافية»

بقلم/ عامر جاسم العيداني
في مقال للكاتب سمير عبيد، طُرحت مقارنة بين الوضع الإيراني الحالي بعد إعادة تفعيل آلية «السناب باك» من قبل الدول الأوروبية وبين ما واجهته اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية أو يوغسلافيا في التسعينيات. ورغم أن التشبيه مثير للجدل إلا أن النظر بتمعّن إلى معطيات الواقع يبيّن أن هذه المقارنة تحمل كثيراً من المبالغة وإن كانت تنطلق من أساس منطقي واحد هو حجم الضغوط المتزايدة على إيران.
اليابان عام 1945 كانت في حالة انهيار عسكري كامل ومحاصرة من كل الجهات وفاقدة القدرة على الاستمرار في الحرب ، أما إيران اليوم فرغم العقوبات والعزلة ما زالت تمتلك جيشاً منظماً وحرساً ثورياً وشبكات إقليمية تجعل من الصعب الحديث عن سيناريو استسلام مشابه.
اما يوغسلافيا لقد تفككت بعد حروب أهلية عرقية وقومية دامت سنوات أدت إلى تدخل عسكري دولي وانهيار مؤسسات الدولة ، اما إيران على العكس دولة مركزية ما تزال مؤسساتها متماسكة رغم التوترات القومية في بعض المناطق ، ومن ثم فإن الحديث عن تفكك سريع وفوري يبدو بعيداً عن الواقع.
ومن الأرجح أن إيران ستواجه في المرحلة المقبلة ثلاثة مسارات متوازية:
تصعيد اقتصادي ودبلوماسي: العقوبات الأممية والأوروبية ستعمّق أزمة العملة وتضعف الاقتصاد الإيراني.
ضغوط عسكرية محدودة: ضربات نوعية ضد منشآت حساسة شبيهة بما جرى في الأشهر الماضية لكنها لا تصل إلى حرب شاملة.
حرب بالوكالة وحصار سياسي: دعم الفصائل المعارضة وعمليات سيبرانية وتقييد الحركة الدبلوماسية الإيرانية.
أما السيناريوهات القصوى مثل الضربة النووية أو التفكك الفوري فهي تبقى نظرياً ممكنة لكنها منخفضة الاحتمال نظراً إلى تعقيدات الجغرافيا السياسية وخطورة أي تصعيد غير محسوب على الاستقرار الدولي.
ان الهدف الواضح للولايات المتحدة وأوروبا هو إجبار إيران على العودة إلى طاولة التفاوض من موقع ضعف وليس تدميرها كدولة وان أدوات الضغط ستبقى العقوبات والعزلة الدبلوماسية والضربات المحدودة. أما الحديث عن نهاية «يابانية» أو «يوغسلافية»، فهو أقرب إلى التحليل الدعائي من أن يكون توقعاً عملياً.
خلاصة القول ان إيران أمام تحديات حقيقية وضغوط غير مسبوقة لكن ما زالت الفوارق كبيرة بينها وبين تجارب اليابان ويوغسلافيا وان المستقبل الأقرب يتمثل في عزلة دولية متزايدة واضطراب اقتصادي داخلي ومحاولات غربية لجرّها إلى اتفاق جديد يحدّ من برنامجها النووي ويقيد أذرعها الإقليمية وهي مواجهة طويلة الأمد أساسها الاقتصاد والسياسة وقد تنتهي بتسوية جديدة تعيد ضبط التوازن الإقليمي.