الأذى مرآة النقص !

وسن زيدان
لا يخفى على أحد أن بعض الأشخاص يعمدون إلى إيذاء الآخرين نفسياً أو عاطفياً أو حتى جسدياً ، لكن هل تساءلنا يوماً لماذا يؤذي الإنسان غيره؟ ولماذا يبدو البعض أكثر ميلاً للتنمر أو الانتقاد اللاذع أو التقليل من شأن الآخرين؟ الحقيقة أن هذا السلوك ليس مجرد تصرف عابر، بل هو انعكاس لحالة نفسية عميقة قد تكون ناتجة عن نقص داخلي يشعر به الشخص، فيحاول تعويضه عن طريق الإساءة للآخرين.
يؤكد علماء النفس أن الإنسان الذي يعاني من شعور داخلي بالنقص غالباً ما يحاول التخلص منه بطرق غير صحية، وإحدى هذه الطرق هي محاولة التقليل من الآخرين أو التسلط عليهم. الشخص الذي يشعر بعدم الأمان، على سبيل المثال، قد يسعى إلى فرض قوته على من حوله ليغطي على خوفه الداخلي. ومن يفتقد الحب والاهتمام قد يحاول سلبه من غيره بأساليب غير صحية، بينما من يعاني من قلة التقدير الذاتي يجد راحته في انتقاد الآخرين وتحطيمهم نفسياً ليشعر بالتفوق.
هذا النقص الداخلي قد يكون نتيجة تجارب الطفولة، كالتعرض للتنمر أو الإهمال العاطفي، أو بسبب بيئة قاسية لم تمنح الشخص شعوراً بالقبول والتقدير. كما أن بعض الأشخاص يمرون بمواقف مؤلمة خلال حياتهم، مثل الفشل المهني أو العاطفي، فيبحثون عن متنفس لهذا الإحساس عن طريق الهجوم على الآخرين.
تظهر هذه المشاعر بطرق مختلفة، فقد يكون الشخص مؤذياً من خلال التنمر ومحاولة إضعاف الآخرين نفسياً وجسدياً ، أو من خلال الانتقاد المستمر والتركيز على أخطاء الآخرين والتقليل من إنجازاتهم. وقد يظهر الأذى في صورة تحكم وسيطرة، حيث يسعى البعض إلى فرض آرائهم بالقوة وعدم احترام وجهات النظر المختلفة، كما قد يتجلى في شكل حسد وعدم القدرة على تقبل تفوق الآخرين، مما يدفع البعض إلى محاولة تشويه نجاحات غيرهم.
هذه الحالة النفسية لا يجب أن تُترك دون علاج، فإدراك الشخص لمشكلته هو الخطوة الأولى نحو التغيير. يحتاج من يشعر بالنقص إلى التوعية النفسية، حتى يفهم أن إسقاط مشاكله الداخلية على الآخرين لن يحقق له الراحة الحقيقية. كما أن تعزيز الثقة بالنفس والعمل على نقاط الضعف بطريقة إيجابية يمكن أن يساعد في التخلص من هذه السلوكيات السلبية. التربية السليمة تلعب دوراً كبيراً في الحد من هذه الظاهرة، فغرس قيم التعاطف والاحترام منذ الصغر يقلل من احتمالية نشوء أشخاص يعوضون نقصهم بالإيذاء.
أحياناً يكون الحل هو الابتعاد عن الأشخاص المؤذيين، خاصة إذا لم يكونوا مستعدين للتغيير. لكن في بعض الحالات، يكون من الضروري اللجوء إلى مختص نفسي يساعد الشخص على فهم جذور مشاعره والعمل على التخلص منها بطريقة صحية. في النهاية، إيذاء الآخرين ليس دليل قوة، بل هو علامة واضحة على الضعف الداخلي. المجتمع الذي يسعى إلى تعزيز الصحة النفسية لأفراده هو المجتمع القادر على الحد من هذه الظاهرة، وبناء بيئة أكثر تسامحاً وإنسانية. إن إدراكنا لهذه الحقيقة هو الخطوة الأولى نحو التغيير الإيجابي.



