الأسر الفرعونية تبني الحضارة في التاريخ المصري القديم

بقلم د : آمال إبراهيم
رئيس مجلس الأسرة العربية للتنمية
الأسر الفرعونية دليل على أن الأسرة تبني الحضارة في التاريخ المصري القديم، لم تكن كلمة أسرة تُطلق فقط على العائلة، بل كانت عنوانًا لحقبة كاملة من التاريخ.كل فترة من حكم مصر القديمة كانت تُعرف باسم “أسرة” — الأسرة الأولى، الثانية، حتى الأسرة الثلاثين — وكأن المصري القديم أراد أن يقول للعالم: الحضارة تُبنى بالأسرة، وتُخلَّد باسمها.
هذا الترابط بين كلمة “الأسرة” ومعنى “الحكم والبناء” لم يكن صدفة.فكل أسرة ملكية لم تكن مجرد سلالة من الملوك، بل كانت نواة منظومة اجتماعية متماسكة،فيها القيم، والتعليم، والقيادة، والاستقرار. الملك كان يُلقَّب بـ “أب الشعب”،
والملكة كانت رمز “الأم الحنون” التي تحمي بيتها الكبير — مصر.ومن داخل القصر، بدأت فكرة أن البيت المنظّم هو الذي ينتج أجيالًا قادرة على البناء والحفاظ على الأرض. فكما بنت الأسر الملكية الأهرامات والمعابد،
كانت الأسر العادية تبني في صمت قيم الحياة اليومية — المحبة، الصدق، الإخلاص، والاحترام. لذلك، حين نقرأ عن الأسر الفرعونية، نحن لا نقرأ فقط عن ملوك،بل نقرأ عن جذور فكرة الأسرة المصرية نفسها —التي كانت، وما زالت، العمود الفقري لكل حضارة.
من آلاف السنين، قبل ما تُكتب كتب التربية الحديثة، كان المصري القديم فاهم إن “البيت هو أساس الدولة”.الأسرة عند الفراعنة كانت مش بس نَسَب واسم… كانت قيم ومسؤولية وحب وتربية.
الأب كان رمز القوة والحكمة، هو اللي يعلّم أولاده العمل، النظام، واحترام الكبير.كانوا يشوفوه قدوة، مش خوفًا منه، لكن حبًا وتقديرًا لدوره.الأم كانت القلب والحنان، عمود البيت الحقيقي، تعلم أولادها الأخلاق، والنظام، والطاعة الممزوجة بالحب.
حتى في النقوش والمعابد، كان يظهر احترام الرجل لزوجته واضحًا، والأبناء حولهم في مشهد من الألفة والسكينة.
التربية عند المصريين القدماء كانت قائمة على “الاتزان” —يعلموا أبناءهم كيف يعيشوا بتوازن بين الجسد والروح، بين العمل والراحة، بين الطموح والرضا.وكان التعليم يبدأ من البيت قبل المعبد أو المدرسة.
كانوا يؤمنوا إن الأسرة مش مجرد علاقة دم، لكنها مدرسة للحياةالمصري القديم علّمنا إن البيت مش جدران، لكن “روح” يعيش فيها الحب والاحترام.لو رجعنا شوية للقيم دي، هنلاقي إن سرّ الاستقرار زمان كان في البساطة والوضوح.
كل فرد في الأسرة كان عارف دوره… الأب سند، والأم قلب، والأبناء امتداد جميل للحلم. النهارده، وسط زحمة التكنولوجيا وضغوط الحياة، ممكن نرجع نغرس نفس الجذور: نحكي لأولادنا بدل ما نصرّخ فيهم نسمعهم بدل ما نحكم عليهم. نعلّمهم يختاروا الصح مش خوفًا، لكن وعيًا زي ما كان الفراعنة يربّوا أولادهم على الاتزان والاحترام، إحنا كمان محتاجين نرجّع المعنى ده في بيوتنا:إن التربية مش أوامر، لكن “قدوة”.
وإن الحب مش ضعف، لكنه “قوة تحفظ الأسرة”. لما نحافظ على روابطنا، نكون امتداد لحضارة علمت العالم معنى الإنسانية. فالأسرة كانت وما زالت… سر بقاء مصر.



