مقالات

تهيئة الطفل المُبْدِع في القرن الحادي و العشرين


بقلم :عصمــــت مصباح يوسف خورشيد
(مدرس مساعد – قسم رياض الأطفال- كلية التربية -جامعة طنطا/دولة :مصر)
e-mail: esmat_khorshed@edu.tanta.edu.eg

إِنَّ الأطفال الذين يقضون حياتهم في ” الرَوْضَة ” الآن سوف يستقبلون في حياتهم وظائف غير موجودة الآن جميعها تعتمد على التفكير الإبداعي Creative Thinking و هو أهم متطلبات التنمية المستدامة في رؤية 2030 .
فالإبداع هو أحد الأشكال الراقية لكل نشاط إنساني ، و تتم تنميته بدءًا من مرحلة ” الطفولة المبكرة Early Childhood” ؛ فالسنوات القليلة الأولى من العمر هي الفترة التي يحدث فيها الجزء الأهم من “نمو المُخ” ؛ لذلك يجب تنمية موهبة الطفل منذ صغره لتعزيز تفكيره الإبداعي ، فالطفولة المبكرة تتميز 🙁 بالميل للاكتشاف ، الإبداع ، المعرفة ، الخيال ، و الاهتمام بالعالم الخارجي ) .
و يمكن تنمية الإبداع في حياة الطفل بدءًا من العام الأول من خلال تقديم الأشكال المتحركة أمامه و الألوان الزاهية التي يميل لملاحظتها فالملاحظة أَوَّل خُطْوَة نحو التفكير الإبداعي ؛ ففي عامه الأول يستخدم كل حواسه لتفسير العَالَم من حوله و يتواصل من خلال المواقف و الإيماءات و التعبيرات ، و بعد مرور العام الأول يبدأ بالتواصل من خلال الكلمات البسيطة ؛ فيكتشف أشياءًا جديدة و ينجذب أيضًا للمواد ذات الألوان الزاهية المثيرة للاهتمام ، و مابين العام ( الثاني و الثالث) من عمره يستمتع بالقصص المُصَوَّرة و اللعب الرمزي الذي يتم من خلاله تنمية حس العلاقات المكانية ، أَمَّا بين ( الثالثة و الرابعة ) من عمره فيستطيع الإبداع من خلال تشكيل كُتَل و رسم أشكال يمكن التعرف عليها مثل 🙁 دوائر ، و أشكال بيضاوية ، مثلثات …) بل يتمكن من رسم أشكال جديدة لم تكن موجودة من قَبْل ، و بين ( الرابعة و الخامسة ) يكتسب حس الملكية الإبداعية ، و مابين ( الخامسة و السادسة ) يتحكم الطفل في اتجاه وطول الخط الذي يرسمه و يُطَوِّرُ أسلوبه الشخصي في رسوماته وإبداعاته الأخرى، و يستطيع رسم صور أكثر تعقيدًا مثل : (رسم شمس في السماء فوق فتاتين وزهرة في الأرض) ، عمل صور أكثر واقعية ، والتمييز بين الناس والحيوانات، والذكور والإناث ، والبالغين والأطفال.
و على سبيل المثال نُقَدِّم الفنان و النحات التشكيلي الأسباني” بابلو رويز بيكاسو Pablo Ruiz Picasso ” الذي نشأَ في وَسْط أسرة متوسطة الحال ، تم اكتشاف أسرته لموهبتة و شغفه في الرسم منذ طفولته ، تحكي والدته أَنَّ أَوَل كلمة نطقها هي : ” قلم رصاص” ، تلقى ” بيكاسو ” الرعاية لموهبته منذ صغره و شجعه والده على ذلك أيضًا حيث تَلَقَى التعليم في سن ” السابعة ” على يد والده فقد كان أستاذًا في ” الرسم و التصوير الزيتي ” ، و قد أبْدَعَ ” بيكاسو ” في رسم اسكتش كامل في سن الثالثة عشر عامًا و هو صورة لحمامة و قد قال والده وقتها أَنَّ : ” طفله قَد تفوق عليه ” ، كما ساعده والده بتأجير حجرة خصيصًا له لتشجيعه على الإبداع في مجال ” الرسم ” بَعْد أَنْ تَمَ قبوله في امتحان القدرات في مجال الفنون الجميلة في هذه السن المبكرة ، كما أن والده هيَّأَ له الفرصة للسفر إلى ” أكاديمية مدريد الملكية “- أهم أكاديمية للرسم في البلاد- لتعزيز و تنمية موهبته و مساعدته على المزيد من الإبداع حتى صار أحد أكثر الفنانين شهرةً وتأثيرًا في عالم الفن .
فإبداع الطفل تصاحبه سعادته إذا نَشَأَ في بيئة اجتماعية سليمة تُمَكِنَهُ من التَكَيُّف ، و إقامة علاقات اجتماعية ، فيُشِير عالم النفس الأمريكي Ellis Paul Torrance” ” إلى أَنَّ :
” الطفل الذي يتخلى عن إبداعه تنقصه الثقة في تفكيره أثناء نموه ، و يُكَوِّن مفهومًا محدودًا عن ذاتِه ، و يصبح معتمدًا على الآخرين في اتخاذ قراراته ، و قد يفشل في تكوين مفاهيم واقعية ؛ لأنه لم يتوفر له البيئة الآمنة للممارسة الإبداعية لأفكاره دون قيود .”
فإن بيئة التَعَلُّم التي يجب توفيرها للطفل مع بداية مرحلة ” الطفولة المبكرة ” يجب أن تكون مُدَعَمَة بالأنشطة التي تعتمد على اللعب و لكن أيضًا مع مراعاة عوامل ( الشغف Passion ، و المنافسة السلمية Healthy competition ، و البيئة المناسبة The Right Environment ) ؛ فجميع هذه العوامل تهيء الطفل للإبداع و إيجاد أفكار إبداعية جديدة لم تكن موجودة من قبل ، فالإبداع هو نقطة الانطلاق الأولى نحو الابتكار ” Innovation ” ، و الابداع و الابتكار هما أهم المهارات المطلوب تنميتها لدى الطفل استعدادًا لسوق العمل مستقبلًا …
فالعديد من الأطفال يُظْهِرُون نُضْجًا عقليًا مُبَكِرًا في مجالات متعددة ؛فلا يقتصر ” الإبداع ” على التعبير الفني و الموسيقى ، فقد يكون الطفل مُبْدِعًا في مجالات ٍ أخرى مثل : ( القدرة الحسابية في الرياضيات أو العلوم أو النواحي الاجتماعية …) ؛ فيجب تعزيز مهارات الأطفال الخيالية و تدريبهم على حل المشكلات ، و توفير الفرص للتعبير عن قدراتهم الإبداعية لإفساح الطريق لمزيد من الابتكار و قد يصبح عبقريًا ” Genius” في مجال بعَيْنِهِ مثلما رأينا في قصة ” بيكاسو” .
فالتبكير في النضج العقلي ” Precocious Mental Maturity” يدل على نمو مُبَكِر ملحوظ.
إِنَّ الإبداع يشير إلى قدرة الطفل على التعبير عن أفكار جديدة و مفيدة ، و شرح عَلَاقَات جديدة بين الأشياء ، فليس كل طفل موهوب مُبْدِع و لكن الموهوب ” Talented” مُؤَهَّل للإبداع إذا تمت تهيئة الفرصة له و تشجيعه للتعلم المستمر .
إِنَّ الطفل مُبْدِع بتفكيره حتى مع أبسط مكونات الطبيعة ، فإذا لَمَس ورقة شجر بين يديه قد يقلبها على الوجهين ليتأمل تفاصيلها و يتحدث عنها بإبداع لذلك فهناك بعض الأنشطة التي تُشَجِع على تنمية ” الإبداع Creativity” و يمكن ممارستها داخل المنزل و بأبسط الطرق مثل 🙁 القص و اللصق Cut and Glue، لعبة الرسم ذهابًا و إيابًا The Back and Forth Drawing Game ( برسم الأب أو الأم صورة ثم يتم تسليمها للطفل حتى يضيف شيئًا جديدًا لها و هكذا يتم تبادلها لإضافة الجديد بينهما )، و لُعْبَة نمذجة العجين Play dough Modeling ( فيتم تشكيل العجين من خامات متواجدة بالمنزل رخيصة و صحية )، و الرسم بالألوان المائية Water color drawing ، …) فجميع هذه الأنشطة و أكثر تساعد لتنمية اللعب الإبداعي و التخيلي ” Creative and Imaginative Play”، و جميعها لطفل المرحلة المبكرة بمثابة تجارب إبداعية سهلة و تسهم في تطوير مهاراته و تمكنه من المشاركة بأفكار جديدة ، كما يمكنك طلب تسجيل فيديو لطفلك بإجراء مقابلة معه و سؤاله لأسئلة مفتوحة تجعله يفكر بإبداع و يشاركك الرأي ، أو تفريغ صندوق الورق المُقَوَّى في منطقة مفتوحة في منزلك و دَعْ طفلك يقرر عَمَل ما يريده ؛ و كلها تجارب مَرِحَة يشاركها الطفل بسعادة .
فاللعب الحُر يُعْطِي فرصة للطفل لاستكشاف العالم مِنْ حوله ؛ ففي “الأنشطة اللامنهجية Extra Curricular Activities” كلما زادت مساحة الحرية أمام الطفل” Space of Freedom ” ؛ زادت فُرَص الإبداع ” Chances of Creativity ” .
كما يتم الآن مع عصر التَعَلُّم الرقمي المفتوح تنظيم الأطفال تنظيمًا ذاتيًا للمشاركة في دورات تدريبية مثل دورات ” البرمجة ” ، و دورات ” تنمية اللغة ” فأكثرها تكون في أوقات غير متزامنة تسمح للطفل بالتَعَلُّم من خلالها و المشاركة الفَعَالة و الإبداع في التفكير من خلالها بالتعامل مع الوسائط الرقمية أو أنْ تكون متزامنة بمشاركة المُحَاضِر في تحديد مواعيد هذه الدورات التدريبية و متابعة الأطفال ؛ فهي وسية رائعة يتم فيها مشاركة الطفل و تأثره( بالصوت و الصورة و الألوان و الحركة ) لتنمية مهاراته في القرن الحادي و العشرين و هي طريق جيد نحو تنمية الإبداع الذي تصاحبه السعادة في التطبيق و الابتكار .
و من الجدير بالذكر في مجال التطبيقات الرقمية لطفل المرحلة المبكرة إنَّهُ يمكن تحميل بعض التطبيقات التي تساعده في التعلم عَنْ بُعْد Distance Learning من خلال تحميلها على الهواتف و منها ما يساعده على تطوير لغته و معرفة النطق السليم للغة الانجليزية بشكل مَرِح مثل تطبيقي 🙁 Lingo Kids & Grapho Game) ، و لتقوية المواد العلمية لديه يمكن الاستمتاع بتطبيق (Eduten) بدءًا من عمر السادسة ، ومن التطبيقات الرائعة لتنمية مهارات الابداع و الابتكار تطبيق ( Qridi) ؛ فجميعها تطبيقات رقمية تعمل بشكل غير متزامن يمكن للطفل استخدامها اعتمادًا على تنظيم وقته و مشاركة الأبوين في تقييمه و تقويمه بين الحين و الآخر.
فَتَعَلُّم الطفل داخل المنزل من خلال المزج بين اللعب و التعلم عن بُعْد بالتنظيم الذاتي جميعها أنشطة تشجع على تنمية مهارات القرن الحادي و العشرين للاستعداد لوظائف العمل مستقبلًا مثل وظائف 🙁 محلل البيانات Data Analyst ، البرمجة ومنها Mobile Apps، التسويق الالكتروني Digital Marketing ، المستشار الشخصي Personal Consultant ) و غيرها من الوظائف التي تتطلب مهارات و قدرات عالية من التفكير لذلك يجب البدء في تنمية الإبداع لدى الطفل بدءًا من العام الأول بعد فَهْم حاجاته و متطلبات نموه لتقديم الأنشطة الرقمية و غير الرقمية و المنهجية و اللامنهجية المناسبة له و التي بالطبع ستساعده على تنمية مواهبه و تصل به للتفكير الإبداعي و بالتالي إلى الابتكار لتنفيذ هذه الأفكار الإبداعية ، و هذا ما يعمل العالم بأكمله من أجله الآن استعدادًا للمستقبل …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى