التنمية الشرطوية .. استثمار في أمن الإنسان

الفريق الدكتور / سعد معن
في خضم التحولات العميقة التي تشهدها مجتمعاتنا، لم يعد الأمن مجرد استجابة لحالات الطوارئ أو مكافحة للجريمة بعد وقوعها، بل أصبح منظومة متكاملة تستشرف التحديات، وتستند إلى التنمية المستدامة، وتعتمد على الشراكة المجتمعية والتقنيات الحديثة. ومن هنا تنطلق الرؤية الواقعية للتنمية الشرطوية، كأحد أعمدة التحديث المؤسسي وبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
فالتنمية الشرطوية ليست زيادة في عدد الأفراد أو الآليات فحسب، بل هي تطوير شامل في المفهوم، والممارسة، والأداء. هي انتقال من “الشرطي المنفّذ” إلى “الشرطي القائد”، القادر على إدارة الموقف الأمني باحتراف، والتفاعل مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية بثقة ومرونة.
وهذا التحول يبدأ من الاستثمار في العنصر البشري تأهيلًا وتدريبًا وتحفيزًا ولا يمكن أن نحقق أمنًا فعالًا دون شرطي واعٍ، مثقف، متسلح بقيم العدالة والانضباط، وفهم دقيق لحقوق الإنسان وحدود السلطة.
إن من أهم أوجه التنمية الشرطوية اليوم، تبني فلسفة “العدالة الوقائية”، أي العمل الاستباقي الذي يمنع الجريمة قبل وقوعها، ويعالج مسبباتها الاجتماعية والاقتصادية. هذا يتطلب تفعيل أدوات التحليل الجنائي، واستخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعزيز وجود الشرطة المجتمعية، كمفهوم عملي يُقرب رجل الأمن من المجتمع، لا كرمز قوة، بل كركيزة أمان.
ولن تكون هناك تنمية شرطوية حقيقية دون دمج التكنولوجيا في صلب العمل الأمني. كأنظمة المراقبة الذكية، الكاميرات المتصلة بالذكاء الاصطناعي، قواعد البيانات المشتركة، والتطبيقات التفاعلية للمواطنين، كلها أدوات لم تعد ترفًا، بل ضرورة لتعزيز سرعة الاستجابة، ودقة القرار الأمني، وشفافية الأداء.
إن التحول الرقمي في العمل الشرطي هو مشروع وطني بامتياز، يتماشى مع مشروع الحوكمة والإصلاح الإداري، ويعيد تشكيل العلاقة بين الشرطة والمواطن على أساس من الوضوح والمسؤولية.
واخيراً فان التنمية الشرطوية ليست مشروع امني مستدام فحسب، بل هي التزام دولة، ومطلب مجتمع، وشراكة ناضجة بين المواطن ورجل الأمن. عندما ننمّي جهاز الشرطة، فإننا في الحقيقة ننمّي الثقة، ونرسّخ سيادة القانون، ونضمن مستقبلًا أكثر أمنًا واستقرارًا.