الحرب في سوريا: استيلاء "الجهاديين" على الجيب الأخير للمعارضة في إدلب يقرع ناقوس الخطر

عناصر من هيئة تحرير الشام أثناء تدريباتهم في معسكر في إدلب. 14 أغسطس/آب 2018مصدر الصورة
AFP

Image caption

لدى هيئة تحرير الشام ما يقارب 20 ألف مقاتل

ربما فقد تنظيم الدولة الإسلامية جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا، لكن جماعة “جهادية” منافسة قد حققت مكاسب في معقل المعارضة الأخير المتبقي في شمال البلاد، ما أزعج سكان المنطقة.

واجتاحت هيئة تحرير الشام بلدات وقرى في محافظة إدلب، فضلاً عن أجزاء أخرى قريبة من حلب وحماة في سياق عملياتها للاستيلاء على هذه المناطق الشهر الماضي.

وقامت الجماعة، التي كانت تعرف سابقا باسم جبهة النصرة قبل أن تقطع علاقاتها الرسمية مع تنظيم القاعدة منذ ثلاث سنوات، بطرد بعض فصائل المعارضة الأخرى وإجبار البعض الآخر على الاستسلام والاعتراف بـ “الإدارة المدنية” التي تدعمها.

ومع وجود نحو 20 ألف مسلح في صفوفها، تسعى هذه الهيئة إلى فرض حكم إسلامي صارم في المناطق التي تسيطر عليها، ويقول المدنيون إن ممارساتها تشبه إلى حد كبير ما كان يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية.

فصائل معارضة سورية في إدلب تبدأ بسحب أسلحتها الثقيلة

حكاية إدلب و”الجهاديين” في سوريا

سوريا: بعد إخلاء كفريا والفوعة إدلب بلا شيعة

“الأسود مفروض علينا”

وتشعر الشابة العشرينية هبة، من غربي حلب، وهي ناشطة في منظمات المجتمع المدني، بالقلق من حرمان المرأة من حقوقها على غرار ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي كان يسيطر عليها.

كما أن منظمات الإغاثة الدولية قد علّقت مساعداتها خوفاً من ردود فعل انتقامية من قبل الجماعة.

تقول هبة: “إن ذلك سيؤثر على العديد من النساء اللواتي يعملن مع هذه المنظمات ويكسبن رزقهن منها، ويساعد عملهن معها على تمكينهن اجتماعياً”.

ولا يدعم سكان المناطق التي وقعت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام توجهاتها وأهدافها.

ويقول عصام الخطيب، الذي يدير منظمة مجتمع مدني مقرها في تركيا وتعمل في المنطقة الغربية من حلب “هذا ما كنا نواجهه طوال السنوات الثماني الماضية ؛وثمة من يعارضنا ويحاول إبادتنا”.

وقال محمد الذي يعيش في المنطقة نفسها لبي بي سي ، إن هيئة تحرير الشام لا تمثل الناس وغير مرحب بها هنا، وأضاف: “هذا اللون الأسود مفروض علينا” في إشارة منه إلى التوجهات المتطرفة التي تتسم بها الهيئة.

ويقول: “نحن حقيقة لا نعرف من يدعمهم ؛ لديهم قوة لا يمكن لأحد مواجهتها”.

مصدر الصورة
AFP

Image caption

قالت الأمم المتحدة إنها ما زالت ملتزمة بتقديم الدعم للمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة

هل ستتدخَّل تركيا؟

وتهدد سيطرة هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب، الهدنة التي توسطت لعقدها تركيا وروسيا ، التي نجحت في حماية 2.9 مليون مدني يعيشون في ذلك الجيب، بينهم ما يقارب مليون طفل، من هجوم حكومي دموي وكارثة إنسانية.

وأفضت الهدنة إلى اتفاق على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح تمتد على طول خط التماس لفصل المعارضة عن القوات الحكومية. وطُلب من المتمردين سحب أسلحتهم، كما طُلب من المسلحين “الجهاديين” الانسحاب معهم.

وينتاب السكان القلق من أن الحكومة التي تدعمها روسيا وإيران قد تستخدم مكاسب “الجهاديين” ذريعة لاستئناف قصفها وفي النهاية الشروع بهجوم بري واسع.

مصدر الصورة
EPA

Image caption

نشرت تركيا عشرات المدرعات والآليات العسكرية في محافظة إدلب

لقد وقعت اشتباكات متفرقة على طول خط التماس الأمامي منذ بدء الهدنة في سبتمبر/أيلول، ولكن في الأسابيع الأخيرة هزَّ إدلب قصف من القوات الحكومية أودى بحياة أكثر من عشرة أشخاص، فضلاً عن عدد من الهجمات بالقنابل ألقيت مسؤوليتها على خلايا نائمة لتنظيم الدولة الإسلامية.

ويعلق بعض السكان آمالهم على تركيا للتدخل وإنقاذ الهدنة وكبح جماح هيئة تحرير الشام.

وذكرت إحدى الصحف التركية المقربة من الحكومة، أن ما يقارب الـ 15 ألف مقاتل من هيئة تحرير الشام، يرغبون بالانضمام إلى ما يسمى بـ “الجيش الوطني”، وهي قوة أنشأتها تركيا في محاولة لتوحيد المعارضة في شمال غربي سوريا.

وقال عصام الخطيب “بالنسبة لي، هذه إشارة من أن هناك نوعاً من الاتفاق لتجنب هجوم رئيسي من قبل الحكومة النظام”.

بيد أن قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، والتي تدعم ميليشيا كردية تحارب تنظيم الدولة الإسلامية، قد يغير الموازين.

وتعتبر تركيا هذه الميليشيا، وحدات حماية الشعب، امتدادا لجماعة كردية متمردة في تركيا، وتعهدت بإقامة “منطقة آمنة” مع حلفائها داخل سوريا لمنع أي هجوم عبر الحدود.

مصدر الصورة
AFP

Image caption

سيطر مسلحون “جهاديون” وفصائل معارضة على مدينة إدلب عام 2015

تحذيرمن التخفيضات

ويعد وجود “هيئة تحرير الشام” التي صنفتها تركيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى كمنظمة “إرهابية” ضربة للمدنيين الذين يعيشون في شمال غربي سوريا.

ففي نهاية أيلول/ سبتمبر 2018 ، أوقفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مرور المساعدات التي تمولها عبر معبر باب الهوى الواقع على الحدود التركية مع إدلب، مبررتين قرارهما بمنع استفادة المتشددين من الضرائب التي فرضوها على شاحنات الإغاثة.

وبعد الهجوم الأخير، علّقت بعض الوكالات العالمية تمويل خدماته الطبية، ما دفع السلطات الصحية المحلية من التحذير من أن عشرات المرافق ستضطر إلى وقف العمليات أو الاعتماد على موظفين يعملون بدون أجر.

مصدر الصورة
AFP

Image caption

الدفاع المدني السوري ينقل امرأة مصابة إثر غارة في بلدة خان شيخون في الريف الجنوبي من محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون. 15 فبراير/شباط 2019

مصدر الصورة
Reuters

Image caption

مسلحون جهاديون في إدلب

وقالت الأمم المتحدة إنها لا تزال ملتزمة بدعم الملايين من المدنيين المحتاجين في جميع مناطق سيطرة المعارضة.

لكن المهندسة المعمارية شام، التي تشارك في مبادرات منظمات المجتمع المدني في إدلب قالت: “إن المدنيين هناك قلقون للغاية بسبب التخفيضات في التمويل العالمي”.

وأضافت أن “من لديهم عملا اليوم، سيخسرونه غدا، وسيتأثر قطاع التعليم والصحة والعديد من الخدمات الأخرى”.

ليس واضحاً ما سيحدث في ذلك الجيب، لكن الواضح أن المخاوف التي يعيشها المدنيين هناك لن تتغير.

اترك تعليقاً