دروس من الثورة الحسينية (1)

بقلم المهندس رسول العذاري
كثيرة هي الدروس والعبر التي نستنتجها من الثورة الحسينية، فليست مجرد واقعة تاريخية أو معركة انتهت في كربلاء، بل هي منارة فكرية وأخلاقية تمتد إلى كل زمان ومكان. وبرأيي المتواضع، فإن من أهم ما قدمه الإمام الحسين عليه السلام للبشرية هو إسقاطه لمبدأ طاعة الحاكم طاعةً مطلقة، حتى وإن كان فاسقًا أو ظالمًا أو مستبدًا.
لقد انتشر بين المسلمين في فترات مبكرة من التاريخ مفهوم “وجوب طاعة ولي الأمر”، مهما كانت درجة فساده، باعتبار أن الخروج عليه يؤدي إلى الفتنة، وأن الاستقرار أهم من العدالة. هذا المبدأ الخطير ساهم في ترسيخ الاستبداد، وتحويل الدين إلى أداة طيّعة بيد الحكام، وأدى إلى شلل في الوعي الجمعي الإسلامي، حيث تم اختزال الدين في الطاعة، وتم تهميش قيم العدل والحرية وكرامة الإنسان.
الحسين عليه السلام، برفضه مبايعة يزيد، كسر هذه القاعدة الموروثة، وأعاد تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم، مؤكدًا أن الطاعة لا تكون إلا في إطار الحق، وأن الحاكم الظالم لا شرعية له مهما استند إلى القوة أو البيعة الشكلية أو الوراثة. لقد دفع الحسين حياته ثمناً لهذا المبدأ، لكنه بذلك حرر الضمير الإسلامي من عقدة الخوف والخضوع، وأسس لخطٍ مقاومٍ في وجه الجور والطغيان، خطٍ ما زال يلهم الأحرار في كل مكان.
ما نعيشه اليوم من دكتاتوريات وأنظمة قمعية في العديد من الدول العربية والإسلامية، هو في جزء كبير منه امتداد لتلك الفكرة المدمرة: طاعة الحاكم بوصفه ظل الله في الأرض، مهما سرق أو قتل أو خان الأمانة. الثورة الحسينية جاءت لتنسف هذا الفهم، ولتؤكد أن شرعية أي سلطة تقوم على القيم، لا على الوراثة أو البطش أو التلاعب بالمفاهيم الدينية.
ولذلك، فإننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى استحضار هذا الدرس الحسيني العظيم، لا كمجرد ذكرى عاطفية، بل كوعي ثوري متجدد، يربط الدين بالكرامة والعدل والحرية، لا بالخضوع والانقياد الأعمى.