مقالات

الديمقراطية أسلوب حياة ومنهج

كتبت د ليلي الهمامي

استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

الديمقراطية هي أسلوب حياة، لكنها ايضا، قيمة داخل المجتمعات الحديثة والمجتمعات المنفتحة والمفتوحة. نحن كعرب، ليس لدينا تقاليد الحوار… وأتحدث هنا عن البناء القاعدي للمجتمعات أي البناء الثقافي القاعدي الذي ينطلق من الاسرة، من الدرس في المدارس والمعاهد…

أتحدث عن حوار داخل أسرة، أتحدث عن مجلس أسره ينعقد يوم العطلة الاسبوعية، حوار تبادل مواقف ووجهات نظر، دون تخطي لقواعد اللعبة.

هذا تقديري واعتقادي، منذ ان طرح أرسطو الاسرة كأساس للاجتماع المدني الانساني.

أعتقد كذلك ان الأسرة هي المنطلق. الأسرة والمدرسة، الخلايا التي تصنع الوعي والتي تؤطر الذكاء والتي توجه السلوك…

نحن نحتاج لاصلاحات عاجلة في هذا المستوى، لكي تكون النتيجة، بعد جيلين على الاقل، ديمقراطية عامة وشاملة: ديمقراطية في الشارع، ديمقراطية في المصنع، في الإدارة، في المصحة، في المستشفى وفي كل مجالات الحياة… ديمقراطية بمعنى الحرية الملتزمة المنضبطة للقانون، وعيشٌ مشتركٌ على اساس التعاقد… هذا ما نحتاجه…

علاقاتنا لا تزال عمودية. علاقتنا لا تزال على أساس سلطة وخضوع، أمر وامتثال في الاسرة و في المدرسة، منهج تلقيني، حشو أدمغة وادعاء التعالي باسم احتكار العلم والمعرفة.

تلك،،، خلايا مأزومة.

الاسرة كما المدرسة الان في حالة تأزم. وهذا التأزم تمظهر عبر تشكل العنف في مستويات، وفي أشكال مختلفة: العنف في الأسرة إما بالطلاق او بالعنف المادي، او بالعنف اللفظي، او بغياب التواصل، او ما يمكن ان يوصف بكونه حوار الصم، بمعنى؛ جدل عقيم لا ينتهي الى نتيجة، بل ينتهي الى أشكال من العنف والتصدع والتمرد، بالنسبة للأطفال كما بالنسبه للزوجين، في اشكال بالفعل محزنة.

لانه اذا ما تأزمت تلك الخلية، فإن المتخرج منها، المغادر لتلك الخلية، سيكون مأزوما، حاملا لامراض حقيقية من الناحية النفسية، تُقلص من ادائه في العمل، تقلص من ادائه في المدرسة.

في المدرسة أيضا العنف إما بالصمت؛ الإحجام عن المشاركة، او العنف بالاقصاء، او العنف في عملية التمرد الصريح والمباشر.

وأشكال العنف في مدارسنا ليست بالقليله. إما ان يكون العنف بين الطلاب او بين الاساتذة والطلاب او عنف شامل لكل المؤسسة التعليمية، على اساس اننا نعيد انتاج، ونسعى او نحاول اعاده انتاج نمط السلطة العمودية. في حين اننا اقتحمنا مجال السماء المفتو، اقتحمنا مجال الفوضى المعلوماتية، اقتحمنا مجال العالم الافتراضي الذي يداهمنا، الذي يلاحقنا، الذي يلاصقنا في وجودنا والذي يمنع بالفعل، هذه الاشكال الكلاسيكية من التعليم الفوقي، من التعليم العمودي، ويضع بالفعل المؤسسة التربوية والتعليمية المتخلفة، في مواجهة تحديات جديدة، لا تستوعبها هذه الانماط المتكلسة المتحجرة المتخلفة، في نظم العلاقات وفي نظم البيداغوجيا…

علينا ان نبتدأ… علينا أن نشرع حالا في هذه الاصلاحات، في اقامة هذه الديناميكية التعددية الديمقراطية، التي لا تضحي بواجب الانضباط وواجب الامتثال للقانون، للحق في معنى الحق، علينا ان نصلح الاسرة. علينا ان نصلح المؤسسة التربوية والتعليمية لكي ندرك فيما بعد، أفق مجتمع متقدم، مجتمع يقدس الفكرة، يقدس المعرفة، يقدس الحقيقة دون تعصب ودون انحياز أعمى لاي شكل من اشكال الانتماء الادنى؛ انتماء قبلي أو جهوي او جنسي أو ما شابه.

د. ليلى الهمامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى