القيادات النسائية ومواجهة الابتزاز الالكتروني

د.نهلة نجاح عبدالله/اكاديمية وناشطة مدنية
تعد مُزوالة المرأة العراقية النشاط السياسي من القضايا المهمة التي تُطرح في الواقع العراقي بعد التغيير الذي شهده نظامه السياسي عام ( 2003 ) ،ويعتمد إشغال المرأة لمواقع قيادية بارزة على شروط في مقدمتها مدى تقبل المجتمع لذلك من جهة ، ومدى الكفاءة التي تظهرها المرأة ذاتها من جهة آخرى، ويرتبط ذلك بمستوى تعليمها والفرص المتاحة لها، وقد اجتهدت اعداد كبيرة منهم لنجدهن متعلمات مثقفات، وأصبحن نماذج يحتدى بهن ومصدر فخر وقدوة لنساء المجتمع الاخريات، ويلاحظ على مشاركة المرأة النشاط السياسي في الدول المتقدمة انها تستعمل الأسلوب الديمقراطي والذي يحول دون التشبث بالمناصب وعرقلة التغيير فضلاً عن انها اقل ميلاً إلى للفساد ، ولديها ميول للعمل بروح الفريق والمشاركة المجتمعية.
والمتابع لدور النساء العراقيات في مراكز صنع القرار يجد تعمل تحت هيمنة الأحزاب وتسعى لتأكيد التصويت مع او ضد بموجب قرارات الكتل والتيارات السياسية التي ينضوون تحتها، لا يوجد صوت للنساء وحتى نساء الكوتا لا يمثلن نساء المجتمع العراقي ككل وحتى لم تظهر رموز سياسية يمثلن قدوة لمجتمعهن وفي الوقت ذاته ولا يمكن بخس حق المرأة فنجد نساء قياديات أثبتت شجاعتها في منظمات المجتمع المدني وهي عنصر فاعل في تفعيل المصالحة الوطنية وتحقيق السلم المجتمعي.
وتعاني النساء بشكل عام تحديات اجتماعية وسياسية تتداخل مع بعضها البعض وتترسخ في الهيمنة الذكورية التي تحول دون وصولها للمناصب القيادية، اذ يتم تهميشها واقصاءها كجزء من عادات وتقاليد تحجب مشاركتها في المجال العام، كمراكز صنع القرار وتشجعها على الاكتفاء بالمجال الخاص وفق ما يحدده المجتمع لها بعيداً عن أي استحقاق ، وعند دخولها للمعترك السياسي فأنها تتعرض لكم اخر من التحديات وابرزها التسقيط السياسي والاعلامي والذي يرمي بأثاره على المرأة نفسها وعلى نساء المجتمع اللاتي يتخوفن ويصبح لديهن هاجس من دخول العمل السياسي، بسبب الطبيعة القبلية للمجتمع العراقي وارتباطها بالشرف واسم العائلة، بالتالي لا يمكن تقديم عمل سياسي ناجح ومنتج مع الدكتاتورية بالتالي التخلص من الهيمنة الذكورية والنظرة الدونية للمرأة يعد أولوية لانضاج الدور السياسي للمرأة فلا نجد امرأة قيادية منتجة ان لم تكن حرة في مجتمع يحترم دورها وكيانها بعيداً عن الاستهداف الممنهج والذي في وقت ذاته طال الرجل، الا ان استهداف النساء كان مضاعفاً، فضلاً عن استغلال صور المرشحات ونشرها والاستخفاف بها واهانتها في مواقع التواصل الاجتماعي والتحرش علناً، فضلا عن نشر المقاطع الإباحية قيل إنها لمرشحات عراقيات وصور الفوتوشوب تخدش الحياء كجزء من ثقافة اجتماعية تقلل من مكانتها، ليؤشر انهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية ،وتركز على الجوانب الشكلية والمظهرية في حين يُعجبون بالقياديات في دول العالم المتقدم ويتم تداول صورهم والمقارنة مع النساء العراقيات، التي بالغالب تستهدف التقليل من شأن المرأة العراقية ليشكل بذلك حاجزاً وعاقاً امام طموح المرأة العراقية لاسيما الشابة التي تكون في أوج عطائها وترغب بخدمة مجتمعها كما هو الحال في واقع الناشطات المدنيات والمتطوعات اللاتي قمن بأدوار مختلفة وقدمن خدمات للمجتمع، لاسيما في احتجاجات تشرين 2019 وحتى اثناء جائحة كورونا ساهمن في إغاثة العوائل المهمشة والفقيرة والمتضررة من اثار الجائحة.
وقد افرزت تلك التحديات شيوع ظاهرة الابتزاز الالكتروني اذ تعد من الجرائم ذات الأنواع والصور المختلفة بالنسبة للمجنى عليه، اذ تؤدي إلى التفكك الأسري وحدوث مشاكل كثيرة منها فقدان الثقة بالإضافة إلى الآثار النفسية ك(القلق ، الخوف ، الاكتئاب)، وتتسم هذه الجريمة بصعوبة إثباتها لأنها من الجرائم الحديثة وان الفاعل فيها يستعمل التكنولوجيا، وتعد النساء من اكثر الفئات تعرضاً للابتزاز في المجتمع العراقي، وبسبب عدم وجود قانون خاص بالجرائم الالكترونية لذا فأن غالبية النساء تخضع للمبتز، او يتم التشهير بها والتسقيط بها للحد من مشاركتها، بالتالي اصبح الابتزاز أحد أهم التحديات التي تواجه المرشحات وتتردد الكثير منهن في خوض العمل السياسي والترشيح، وتختلف دوافع الابتزاز الالكتروني ضد النساء، فقد تكون ( مالية، نفسية، جنسية، الحصول معلومات او اخفاءها ، انتقامية)، وفي استطلاع اجراه مركز نايا للتدريب الاعلامي وبدعم من منظمة انترنيوز على عينة من النساء الناشطات والاعلاميات لمعرفة وعيهن هن الابتزاز اذ أجمعت معظم المبحوثات على ان الدافع المادي هو أحد الأسباب التي تدعو للابتزاز بنسبة (64%) ، فيما كان الدافع الجنسي بالمرتبة الثانية بنسبة (14%) والدوافع الاخرى بنسب اقل، فيما تبين نسبة (66%) منهن لايعرفن شيء عن عقوبة الابتزاز في القانون العراقي، فيما بينت (36%) مبحوثة معرفتهن بعقوبة الابتزاز في القانون العراقي ، وعن أسباب وقوع الضحايا في الابتزاز بينت الاجابات ان نسبة (54%) ان الجهل بالمخاطر الالكترونية لمواقع التواصل الاجتماعي يجعل الافراد ضحية للابتزاز، فيما جاءت بالمرتبة الثانية الثقة الزائدة بالآخرين بنسبة (51%)، فيما أظهرت إجابات المبحوثات عدم توفر برامج حماية من الاختراق في حواسيبهن وهواتفهن الشخصية بنسبة (61%)، فيما وضحت نسبة (39%) امتلاكهن برامج الحماية.
بالتالي فأن وضع المرأة مرهون بوضع المجتمع وعدم استقراره ينعكس على النساء لخصوصية وضعها ولا يمكن نسيان ما تعرضت له المرأة من حروب وأزمات على مر عقود من الزمن منذ حقبة الثمانينات ولغاية الان اذ كانت اكثر الفئات تأثراً وعطاءً في الوقت ذاته وينبغي النظر الى وجودها في العمل السياسي ضرورة لكل مجتمع يريد النهوض بواقعه فلا يمكن النظر اليه كشيء ثانوي او رفاهية لاهميته في تحقيق السلام ومعالجة الازمات وقد سجلت دول كبرى نجاحات منقطعة النظر بفضل قيادتها النسوية ك(السيدة جاسيندا في نيوزلندا) و(ميركل في المانيا).
ولا يمكن تغيير هذا لا يتغير بدون وعي اجتماعي حقيقي تتبناه وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني اذ عليها ان تتصدى لكل الظواهر السلبية التي يُروج لها هنا وهناك كحملات التشهير والتسقيط السياسي والابتزاز الالكتروني عبر حملات إعلامية مستمرة ترصد كل الانتهاكات التي تتعرض لها النساء وتتخذ الإجراءات القانونية بحق من ينشر ويروج ويشارك في الإساءة للمرأة العراقية وتركز في الوقت ذاته على فاعلية دور المرأة في المجتمع والحفاظ على كيانها وكرامتها ومعاقبة كل من تسمح له بالتجاوز والمساس بكرامتها، كونها عنصر فاعل في العمل السياسي وتحقيق التنمية ، اذ يقاس تطور أي مجتمع بوضع المرأة فيه ومدى نيلها لحقوقها وحرياتها.



