مقالات
النطيحة والمتردية نحن أم الذين يحكموننا؟

هادي جلو مرعي
غالبا ماأسمع من مثقفين وصحفيين وأكاديميين، ومن عامة الناس، وعند طرح إسم شخصية ما لمنصب ما رفيع، أوغير الرفيع عبارة تقول (يحكمنا وين المتردية والنطيحة) وهو وصف للشاة التي تعرضت لنطحة قاتلة، أو تلك التي أصابها ماجعلها غير صالحة للأكل، أو التي تردت في بئر، وتعبيرا عن رفض الناس لتلك الشخصيات، غير إن الواقع يحكم بغير ذلك، فمن غير المعقول إن كل عراقي يعرض عليه منصب، أو يرشح له هو من صنف النطيحة والمتردية، وأرد على هولاء: إن وصف (النطيحة والمتردية) قد ينطبق علينا نحن أيضا كمواطنين، وعلى قاعدة: كما تكونوا يول عليكم، فإذا كان حكامنا من (المتردية والنطيحة) فنحن أيضا (نطيحة ومتردية) ومن قال إننا أفضل من حكامنا، فلو راقبنا حركة البلدان والشعوب لوجدنا تماثلا بين الحاكم والمحكوم، وخوفا متبادلا، ولكن ليس من بعض، بل من القانون الذي ينصاع له الجميع، ولايختلفون عليه.
وإذن فالمتردية والنطيحة وصف يمكن أن ينطبق على الحكام، ولكنه ينسحب على الشعب الذي يحكمون، لأن الشعب الذي يسمح بمدراء عامين ووكلاء وزارات ومستشارين ووزراء ونواب وو من صنف المتردية والنطيحة، ويكرر ذلك لمرات ومرات هو أيضا قريب من هذا الوصف، وهذا ليس إتهاما، بل تساؤلا مشروعا مع هذا الكم من التراجع والفشل والضياع، والمشكلة ستكون كارثية إذا كنا، ومن يحكمنا من ذات الصنف!
تمر الدول بمواسم جفاف فكري وروحي، وتنغمس في الماديات، وتتآكل القيم الأصيلة، وقد تنهار في مواجهة القيم الطارئة حين يطغى الفكر المادي، وتموت النخب، وتتحكم الشعبوية، ويعلو الصياح، ويتحول الهمس الى حالة من الجبن، وليس وصفا طيبا لمن يهرب من الضوضاء، وربما كان الإنكسار الذي يصيب الأمم شاملا ينسحب على الحاكم والمحكوم، وعلى القيم العليا التي تتداعى، بينما يعلو صوت صناع الأكاذيب، ومروجي الفتن، وتجار الدين والسياسة، ومحبي الزعامة، والمتلونين، والباحثين عن الفرص، وشراء الأدوار بطريق غير شرعية، والمهم أن يكون الجميع في المقدمة، وأن يشتركوا في تحقيق المكاسب المادية، ويملكوا المال والسلطة والسلاح، وتتحول الشعارات التي كانوا ينادون بها في السابق الى هلوسات ينفون إنهم كانوا ينادون بها، ويتبرأون منها تماما.
نحن نعيش مرحلة الإنحطاط الكامل والضياع، ومن يدعي أن لديه الحلول، وبيده إنهاء الأزمات والمشاكل فعليه أن يتريث في طرح المشاريع غير القابلة للتحقيق، والتي ينتفع منها الناس، وتقضي على مظاهر الفساد...