مقالات

رقم صغير… وسمعة ثقيلة!

بقلم / رواد فاضل

في العراق، لا تحتاج إلى قاضٍ أو شهود حتى تُتهم بالنصب والكذب… كل ما يلزم هو أن يُقال عنك: “فلان 56″، وهنا تنقلب الطاولة، ويصبح من الصعب أن تبرّئ نفسك، حتى لو كنت أنظف من الصابون!

عبارة “56” ليست مجرد رقم عابر، بل هي بطاقة تعريف جاهزة لكل من يُشكّ في نواياه. هي مثل ختم اجتماعي غير رسمي، يُطبع على الجبين دون استئذان. تقول لأحدهم “أنت 56″، كأنك رميته بكيس من التهم: نصّاب، حوّال، لافّ ودوران، لا يقول الحقيقة إلا بالغلط!

من المادة إلى المتداولة
الأصل؟ قانوني تمامًا. المادة 456 من قانون العقوبات العراقي، والتي تعاقب على النصب والاحتيال. ولكن العراقي، كعادته في تحويل المآسي إلى نكات، اقتطع الرقم، حذف الـ”4″، وبقي مع “56” فقط، ليصبح الوصف السريع والمختصر لكل من “يدوّرها” على الناس بذكاء مزعج.
وهكذا، بدلاً من أن يُقال “هذا الشخص متهم بالنصب وفق المادة القانونية كذا وكذا…”، أصبحت الجملة الشعبية كافية: “هو 56”. لا حاجة لمحكمة، ولا محامي، فقط إشاعة واحدة كفيلة بترك بقعة سوداء على السمعة.
الكلمة التي تخرّب الجلسة
أسوأ ما في “56” أنها تُقال حتى في المزاح، لكنها لا تمر مرور الكرام. تُرمى الكلمة، والضحك يعلو، لكن الطرف المعني يشعر كأن أحدهم أفرغ على رأسه دلواً من ماء مشكوك فيه. والكارثة؟ أنها لا تُنسى بسهولة. قد تنساها أنت، لكن المجتمع لن ينسى.

حتى على منصات التواصل، بات الناس يعلقون: “هذا 56 على أصله”، كأنها شهادة رسمية. أصبح الرقم مثل ختم مزور يُمرر بين الألسن، وأنت تكتشف فجأة أنك صرت مادة للحديث وأنت لا تدري.
مجتمع يحكم بالأرقام
تُظهر هذه العبارة كيف أن المجتمع العراقي، المُتخم بخيبات الثقة، لا ينتظر القضاء ليُصدر حكمه. يكفي رقم بسيط ليُلصق بك تهمة ثقيلة. لكن الغريب في الأمر؟ أن كثيرًا ممن يستخدمون العبارة لا يعرفون أصلها القانوني، بل يظنونها مجرد “سبّة” من الدرجة الممتازة.
خلاصة الكلام
“56” ليست مجرد اختصار لمادة قانونية، بل هي ملخص لخيبة أمل اجتماعية. إنها رقم صغير بحجم الهاتف، لكن بوزن ثقيل على كاهل السمعة. فاحذر، ليس كل ما يُقال على سبيل المزاح يُنسى… وبعض الأرقام تلتصق أكثر من اسمك الثلاثي!

رواد فاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى