باب القطانين: العنف وضرورة الرد الحازم من الدولة

يارا المصري
شهدت المدينة القديمة في القدس حادثة خطيرة عند باب القطانين، أحد أهم المداخل المؤدية إلى المسجد الأقصى، حين أقدمت مجموعة من الشبان اليهود على مهاجمة الباعة المحليين والاعتداء على ممتلكاتهم ومحاولة بثّ الفوضى في المكان. ورغم أن تدخّل قوات الشرطة السريع حال دون تفاقم الحادث إلى مستوى كارثي، إلا أن الواقعة طرحت العديد من الأسئلة الجوهرية حول ظاهرة العنف المتطرف، ودور الدولة في حماية مواطنيها، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه الأحداث.
بحسب شهادات التجار والزبائن الذين كانوا في الموقع، فقد بدت اللحظات الأولى للهجوم أشبه بكابوس: شبان ينقضّون على الباعة، يحاولون تكسير بضائعهم وترويعهم، فيما يفرّ الزبائن مذعورين خوفاً من الاعتداء. هذه الصورة المؤلمة عكست هشاشة الوضع الأمني في منطقة حساسة تستقطب يومياً آلاف المصلين والسياح والمتسوقين. ولو لم يكن التدخل الأمني سريعاً وفعّالاً، لربما كانت الخسائر البشرية والمادية أكبر بكثير.
أولى الرسائل التي يوجهها هذا الحادث هي أن العنف القومي المتطرف بات ظاهرة لا يمكن الاستهانة بها. الاعتداء لم يكن على خلفية شخصية أو تجارية، بل على خلفية هوية وانتماء، ما يجعله جزءاً من نزعة تهدد النسيج الاجتماعي في القدس والمدينة القديمة خصوصاً.
تدخل الشرطة السريع وتوقيف المتورطين في وقت قياسي أظهر التزام الدولة بفرض القانون، ورسّخ رسالة واضحة: لن يُسمح لأي جهة، مهما كان انتماؤها، بتجاوز القانون أو نشر الفوضى في قلب المدينة المقدسة. فالتساهل مع مثل هذه الممارسات قد يفتح الباب أمام موجة من الاعتداءات المماثلة، وهو ما يعني تهديداً مباشراً للاستقرار.
لا يقلّ البعد الاقتصادي للحادث خطورة عن البعد الأمني. فالعديد من أصحاب المحال في باب القطانين تحدثوا بعد الحادث عن تراجع ملحوظ في أعداد الزبائن. بعضهم أشار إلى أن الناس باتوا يخشون العودة إلى السوق خوفاً من تكرار الاعتداءات.
هذا التراجع في الحركة التجارية يُنذر بخسائر مباشرة للتجار الصغار الذين يعتمدون على قوت يومهم، كما أنه يضر بسمعة المنطقة كسوق تراثية وسياحية مهمة في قلب القدس. هنا تبرز مسؤولية الدولة في تقديم دعم اقتصادي ملموس للمتضررين، سواء عبر تعويضات مالية أو عبر خطط لتنشيط الحركة التجارية والسياحية في المنطقة، بما يعيد الثقة إلى أصحاب الدكاكين والمتسوقين معاً.
الرد الأمني وحده، على أهميته، لا يكفي لمعالجة المشكلة من جذورها. إذ إن العنف القائم على خلفيات قومية أو دينية يعكس بيئة فكرية متطرفة يجب مواجهتها عبر برامج تربوية ومجتمعية.
المدارس، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، جميعها مدعوة للقيام بدور توعوي يزرع قيم التعايش والاحترام المتبادل، ويواجه ثقافة الكراهية. فالمجتمعات التي لا تواجه بذور التطرف في بداياتها سرعان ما تجد نفسها أمام أزمات متفاقمة لا ينفع معها الرد الأمني وحده.
الحادث يضع الدولة أمام اختبار حقيقي: كيف توفّق بين واجبها الأمني في حماية الأرواح والممتلكات، وواجبها الاقتصادي في دعم الاستقرار المعيشي للتجار والسكان المحليين؟
الدولة مدعوة إلى تعزيز حضورها الأمني في منطقة باب القطانين، ليس فقط بردع المعتدين، بل أيضاً ببناء ثقة عامة لدى الناس بأن حياتهم اليومية محمية. وفي الوقت نفسه، عليها أن تطلق برامج اقتصادية عاجلة لدعم السوق المحلي المتضرر، كي لا يتحوّل الحادث إلى أزمة معيشية أعمق.
إن حادث باب القطانين ليس مجرد شجار عابر أو حادث محدود، بل هو جرس إنذار يكشف أن أي عمل عنيف في منطقة حساسة مثل المسجد الأقصى يمكن أن يهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي في القدس بأسرها.
لقد أثبتت سرعة الشرطة وحزمها أن الدولة قادرة على التدخل لحماية جميع السكان، يهوداً وعرباً، وأن القانون يجب أن يطبق على الجميع بلا استثناء. لكن الرسالة الأهم هي أن مثل هذه الحوادث يجب أن تكون دافعاً لتطوير استراتيجيات شاملة، أمنية واقتصادية وتربوية، تحمي المدينة وسكانها من تكرارها.