حكم استثنائي: 48 سنة ونصف سجنًا بحق أمير الصيداوي منفذ هجوم الحافلة في القدس

يارا المصري
صدر هذا الأسبوع حكم قضائي استثنائي في شدته بحق أمير الصيداوي، أحد سكان القدس الشرقية، بعد أن أُدين بفتح النار على حافلة بالقرب من المسجد الأقصى في آب/أغسطس 2022، وهو الاعتداء الذي أسفر عن إصابة سبعة ركّاب أبرياء. المحكمة المركزية في القدس قضت بسجنه مدة ثمانٍ وأربعين سنة ونصف، في واحد من أشدّ الأحكام التي صدرت في السنوات الأخيرة ضد متورّط بأعمال إرهابية في المدينة.
أظهرت جلسات المحكمة أن ما قام به الصيداوي لم يكن عملًا عشوائيًا أو انفعالًا لحظيًا، بل عملية مخططة هدفها إيقاع أكبر عدد من الضحايا. ركّاب عاديون في طريقهم إلى منازلهم وجدوا أنفسهم فجأة تحت وابل من الرصاص، فقط لكونهم مواطنين إسرائيليين. ومن هنا جاء تأكيد القضاة أنّ ما جرى هو محاولة قتل جماعية تستوجب عقوبة صارمة بلا هوادة.
إن دولة إسرائيل، التي تمنح سكان القدس الشرقية بطاقة هوية زرقاء وما يصاحبها من حقوق متكاملة كالتنقل الحر والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، لا يمكنها أن تغضّ الطرف حين يُستغل هذا الامتياز للتحوّل إلى وسيلة لتنفيذ عمل إرهابي يستهدف مواطنين أبرياء.
القصد من الحكم ليس الانتقام بل ترسيخ مبدأ الردع. فالواقع في القدس الشرقية يُظهر ميلاً متزايدًا لدى بعض الشبان إلى الانجرار وراء خطاب العنف والتحريض. وإذا لم تُقابل هذه الظاهرة بعقوبات قاسية وحازمة، فلن تتوقف. لذلك جاء الحكم على الصيداوي ليبعث برسالة جلية: كل من يختار طريق الدم سيواجه سنوات طويلة خلف القضبان، بلا شفقة ولا تخفيف.
كثيرًا ما يُرفع شعار “التمييز” عند صدور أحكام كهذه، لكن الحقيقة مختلفة: فمَن يتمتع بحقوق المواطنة أو الإقامة الدائمة في دولة ما، عليه أيضًا واجب الحفاظ على القانون وصون حياة الآخرين. وحين يخون المرء هذا العهد، فإنه يوجّه خيانته ليس فقط للدولة، بل أيضًا للمجتمع الذي يعيش فيه.
القضاة الذين أصدروا الحكم شدّدوا على أنّ حماية أرواح المدنيين تسبق أي اعتبار آخر. فالقانون في إسرائيل لا يُفرّق بين يهودي وعربي حين يتعلق الأمر بالإرهاب؛ المعيار هو الفعل نفسه. إطلاق النار على حافلة ممتلئة بالركّاب فعل يهدد السلم الأهلي ويزرع الرعب في العاصمة. وبالتالي، فإنّ العقوبة القاسية ليست إلا انعكاسًا طبيعيًا لخطورة الجريمة.
السلطات الأمنية أشارت غير مرة إلى أنّ أي حادث يقع في محيط المسجد الأقصى قد يتحول إلى شرارة تشعل مواجهات واسعة في القدس ومناطق أخرى. ومن هنا تأتي أهمية الحكم: فهو ليس فقط ردًا على الماضي، بل ضمانة للمستقبل، إذ يمنع آخرين من التفكير بتكرار السيناريو نفسه.
إنّ قضية أمير الصيداوي تبرهن أنّ دولة إسرائيل ومؤسساتها القضائية تقف بحزم في وجه الإرهاب أياً كان مصدره، وأنها لن تسمح بتحويل شوارع القدس إلى ساحة دماء. الحكم البالغ القسوة يعكس حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة في حماية حياة مواطنيها، ويؤكد أنّ القانون فوق الجميع، وأن من يختار طريق العنف لن ينال سوى عزلة طويلة وراء القضبان.