حماس تحاول استعادة سيطرتها بالقوة والعالم يدين مجازرها في قطاع غزة

يارا المصري
بين أنقاض الأبنية المهدّمة وشوارع غزة المظلمة، يعيش السكان هذه الأيام حالة من الخوف والذهول، بعد أن تحوّل سلاح حماس من مواجهة إسرائيل إلى أداة لقمع أبناء القطاع أنفسهم. فالحركة التي فشلت في الوفاء بالتزاماتها في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، لجأت — كما يقول الأهالي — إلى القوة والعنف لاستعادة هيبتها المفقودة، ولو على حساب دماء الأبرياء.
منذ بداية الأسبوع، أفادت مصادر محلية ودولية متقاطعة بوقوع عشرات حوادث إطلاق النار على المدنيين في مختلف أنحاء القطاع، لا سيما في شمال غزة ومدينة دير البلح. فقد خرج مئات المواطنين في تظاهرات تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وبتنفيذ بنود الاتفاق الإنساني، لكنّ قوات حماس واجهتهم بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والضرب بالهراوات.
يقول أحد سكان مخيم الشاطئ:
“لم نخرج ضد أحد، خرجنا نطالب بالعيش فقط. لكنهم أطلقوا النار علينا كما لو كنا أعداء. يريدون إسكاتنا إلى الأبد.”
وبحسب مصادر طبية فلسطينية، قُتل ما لا يقل عن تسعة عشر مدنياً وأصيب أكثر من مئة منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة. وتُظهر مقاطع الفيديو المنتشرة عبر شبكات التواصل مشاهد مروّعة لقوات مسلّحة تسحب المتظاهرين من الشوارع وتقتحم منازل الناشطين وتصادر هواتفهم وكاميراتهم.
ويقول صحفي فلسطيني فضّل عدم ذكر اسمه خوفاً من الاعتقال:
“حماس فقدت السيطرة على الناس، فاختارت أن تحكم بالنار. لم تعد تملك شرعية سياسية ولا ثقة شعبية، ولهذا تحاول فرض نفسها بالقوة.”
ردود الفعل الدولية كانت سريعة وصارمة. فقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة ما وصفه بـ”الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين العزّل”، معتبراً أن ما يجري في غزة يشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. كما دعا الاتحاد الأوروبي إلى “تحقيق مستقل وشفاف” في الانتهاكات، مشيراً إلى أن استمرار العنف الداخلي سيجعل من الصعب استمرار المساعدات الإنسانية.
وفي واشنطن، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الإدارة الأمريكية “تشعر بقلق بالغ إزاء التقارير عن عمليات القتل العشوائي التي تنفذها قوات حماس ضد متظاهرين مدنيين”، مؤكدة أن “أي دعم مستقبلي لغزة سيكون مشروطاً باحترام حقوق الإنسان وإنهاء القمع الداخلي.”
أما في إسرائيل، فقد وصف مسؤول سياسي رفيع ما يجري بأنه “مأساة فلسطينية داخلية”، وأضاف:
“المنظمة التي تدّعي الدفاع عن الفلسطينيين أصبحت هي من يقتلهم. هذه ليست مقاومة، بل انهيار أخلاقي تام.”
شهود عيان أكدوا أن عناصر حماس أقاموا حواجز داخلية ونقاط تفتيش في الأحياء التي شهدت احتجاجات، واعتقلوا العشرات من الناشطين والصحفيين والطلاب. كما منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين. وقال طبيب في مستشفى الشفاء إن بعض الجرحى نزفوا حتى الموت لأن سيارات الإسعاف مُنعت من دخول المنطقة.
“هذه ليست حرباً مع العدو، هذه حرب ضد الشعب نفسه”، قال الطبيب بأسى.
ويُرجّح مراقبون أن موجة القمع الأخيرة ناتجة عن خوف قيادة حماس من انتفاضة شعبية واسعة بعد الانهيار الاقتصادي وتراجع الخدمات الأساسية. فقد بلغ معدل البطالة مستويات قياسية، والمياه والكهرباء شبه مقطوعة، فيما يعيش أكثر من ثلثي السكان تحت خط الفقر.
منظمة “أطباء بلا حدود” وصفت الوضع الصحي في غزة بأنه “كارثي”، مشيرة إلى أن المستشفيات تعمل بأقل من نصف طاقتها، وأن “إطلاق النار على المتظاهرين المدنيين يفاقم الأزمة الإنسانية التي تعصف بالقطاع.”
الدول الوسيطة في اتفاق الهدنة — وخصوصاً قطر ومصر — أبدت هي الأخرى استياءً متزايداً من تصرفات حماس. فقد أعلنت قطر، الممول الأكبر للمساعدات إلى غزة، أنها ستعيد النظر في استمرار دعمها المالي في حال لم تتوقف عمليات القمع. أما القاهرة فأعربت عن قلقها من “انزلاق الوضع في غزة نحو فوضى داخلية قد تمتد آثارها إلى المنطقة بأكملها.”
ومع تصاعد الإدانات الدولية، تتكشف القصص المأساوية للأسر التي فقدت أبناءها. سُهى حماد، أم لثلاثة أطفال، فقدت ابنها البكر خلال مظاهرة في سوق غزة القديم. قالت والدموع تملأ عينيها:
“كان عمره سبعة عشر عاماً فقط، خرج يطالب بحقه في العيش بكرامة. رصاصة من ابن بلده أنهت حياته. أي مقاومة هذه التي تقتل أبناءها؟”
في الشوارع، يحاول الناس العودة إلى حياتهم، لكن الخوف يملأ القلوب. فحماس، كما يقول السكان، شكّلت وحدات خاصة تُعرف بـ”الشرطة الشعبية” مهمتها ملاحقة المنتقدين على مواقع التواصل. وتم تداول قوائم بأسماء مطلوبين نُشرت عبر مجموعات مغلقة في “واتساب”، ما زاد من حالة الرعب.
بات واضحاً أن الحركة التي واجهت إسرائيل لعقود تواجه اليوم أشد خصومها قسوة — شعبها نفسه.
ويحذر مراقبون من أن استمرار العنف الداخلي قد يدفع بموجة نزوح جديدة نحو الحدود المصرية، ما ينذر بأزمة إقليمية أوسع. وقال منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط:
“إذا لم توقف حماس إطلاق النار على شعبها، فلن يمكن الحديث بعد اليوم عن سلطة، بل عن إرهاب داخلي منظم.”
في الأثناء، تواصل أصوات الرصاص تخرق سكون الليل في غزة، بينما تظهر على الجدران شعارات جديدة بخط متعب: “نحن لسنا أعداءكم… نحن أبناؤكم.”
ويقول أحد الشبان الغزيين بحزن:
“لقد أرهقونا بالحروب ثم أرهقونا بالخوف. كنا نأمل بالسلام، فإذا بنا نُقتل في بيوتنا.”
المجتمع الدولي يبدو مصدوماً من المشاهد الواردة من غزة. وفي نهاية الأسبوع، من المتوقع أن تعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جلسة طارئة لمناقشة الوضع، في ظل توقعات بإصدار بيان إدانة شديد اللهجة ضد حماس، وربما فرض عقوبات محددة على قادتها.
لكن سكان غزة، الذين تعبوا من الوعود والمؤتمرات، لا ينتظرون كثيراً من الخارج. يقول شاب في العشرين من عمره وهو ينظر إلى الأنقاض من حوله:
“لسنا بحاجة لبيانات جديدة. نريد فقط أن يتوقف القتل… أن تتوقف حماس عن قتلنا.”